موسيقى

عودة الروح
على ايقاع موسيقى صاخبة تختلف نغماتها في كل بقاع العالم تودع البشرية سنة ميلادية حافلة بالأحداث المأساوية الناتجة عن مقاومة حاقدة للإسلام والمسلمين في كل مكان وزمان ؛ انتهت بالتجويع والتشريد والإبادة الجماعية في بورما وأفريقيا الوسطى ؛ موسيقى ترقص على إيقاعها مخلوقات بشرية تتراشق بالحلوى وأنواع النبيذ والخمور ، بعض المسلمات العربيات يرقصن ويجدن بثمار أجسادهن بسخاء للتعبير عن الحرية والتحرر الذي جاءت به التعاليم الصهيونية العالمية تحت مظلة العولمة الفاحشة ؛ كان صوت المؤذنين والقائمين بالصلوات يكسر هذا الصخب من حين لآخر
لكن بعد صلاة العشاء اندمج الكل في العرس العالمي احتفاء بتوديع سنة الدم وانتحار القيم والمبادئ والضمير العربي . حتى المصلين أحبوا هذه الطقوس وتزاحموا في طوابير أمام محلات الحلوى والهدايا وأدخلوا ذلك في باب الإحسان والإنفاق ؛ ولا نعلم ما تخفيه القنوات الفضائية من طقوس أخرى في عوالم أخرى ؛ عند من يتحكمون في زمام السياسة واقتصاد عالمنا ؛ لا نعلم كيف يودعون السنة المقبلة على الاحتضار .
في تلك الليلة قبل العد العكسي بساعة واحدة ؛ وقد انتابني ذهول ؛ واستغربت :
- يرقصون على نغمات قرار ترامب الذي فوت فيه القدس للصهاينة ؛ يرقصون على مذابح بورما وانفجارات داعش ؛ يرقصون على تشريد سوريا ؛ ونهب العراق ؛ يرقصون على طمس حضارة بغداد وتراث حلب ؛ يرقصون على نهب وقود الخليج ؛ يرقصون على جثت قيمنا ومبادئنا وتراثنا وثقافتنا ؛ أرقصونا على صوت العصرنة والحداثة وقتلوا أصالتنا وعلومنا وهم يعلمون أن تراثنا العربي أخصب تراث في العالم يملك إمكانية العطاء ؛ لبناء الثقافة على أساس كمي وكيفي ؟
انسحبت مرغما من هذا الصخب المطبوع بالحمق والتصوف الجاهلي ؛ استسلمت لنوم كان يراودني بعد تعب من كتابة قصيدة (عودة الروح) وضعت رأسي على المخدة ؛ نطقت بالشهادتين؛ لعنت الشيطان ؛ لم تكفيني فيه اللعنة التي تلوكها الألسنة يوميا ولا يفارق أصحابها ؛ بل شتمته ؛ قرأت المعوذتين ؛ بعدهما لم أشعر بأي شيء ؛ أهي روحي في جسدي ؛ أم جسدي بلا روح أم هما معا لا يوجدان ، وفارقا الاغطية التي تدثرت بها اتقاء برد دجنبر ؛ بعد لحظة زمنية لا أعلم أهي من زمن السنة المنصرمة أم من السنة الجديدة . رأيت نفسي طائرا له جناحان معدنيان ؛ قلت إنها فرصة العمر أهاجر إلى أروبا طائرا أحسن من أن أتسلل باحرا على مركب الموت .
قبل التأكد من صلاحية الجناحين ؛ باغثني شيخ في ثوب شديد البياض طويل اللحية أبيضها ؛ قال لي بعد تحية الإسلام :
- لا تخف الجناحان صالحان بإذن الله اطمئن اتبعني .
تحرك الجناحان حركات غير إرادية استغربت هو طيران حقيقي ؛ الشيخ المسن يطير بلا جناحين ؛ كنت حينها لا أعلم أهي نفسي التي تحدثني أم الشيطان الذي شتمته قبل النوم يوسوس إلي ، بأنني مت وروحي صاعدة الى عالم الخلود رفقة الشيخ ؛ تحسست جسدي لازالت الورقة التي كتبت فيها قصيدة (عودة الروح) في جيبي .
- الحمد لله لازلت حيا أكره الموت قبل إنهاء القصيدة .
توقف الشيخ في نقطة تبدو تحتها الأرض كأنها كرة أرضية مجسمة في يد أستاذ الاجتماعيات ؛ قال الشيخ :
- ألاحظت الأضواء الخمسة على الأرض؟
قلت :
- نعم يا مولانا ، إنها القارات الخمس بينها البحار والمحيطات.
تابعنا الطيران ؛ كنا نرى أقمارا اصطناعية بعضها معطل وأكثرها مشغل ؛ توقفنا في سوق فضائي فيه كل ما يحتاجه الإنسان لكن المواد الغذائية ؛ حتى الخضر والفواكه من البلاستيك الصالح للاكل حسب ما دون على البطاقات المعرفة لكل نوع ؛ الخبز كذلك من البلاستيك ؛ أديت ثمن أكلة سريعة بلاستيكية لكني فوجئت بسخرية صاحب المطعم وهو ينظر إلى النقود ويقلبها مقهقها ثم أعادها إلي بعد أن تحدث معه الشيخ بلغة لم أفهمها .
سمعنا الآذان في كل القارات الخمس ؛ لم نسمع صلصلات نواقيس الكنائس ؛ قلت للشيخ :
- كم أنا مشتاق الى إلى الصلاة في القدس . لكن الصهاينة منعوا الفلسطينيين منه .
قال الشيخ :
ماذا تقول يا هذا متى كان ذلك ؟
قلت:
- كان ذلك قبل أيام بعد قرار ترامب .
قال الشيخ :
من هذا الترامب عندكم ؟
قلت :
- إنه رئيس الولايات المتحدة . ألا تتابع يا مولانا الأخبار بالقنوات الفضائية ؟ فقد فوت القدس للصهاينة قبل الاحتفال برأس السنة الميلادية.
قال الشيخ :
أي سنة تعني ؟
قلت له إنها سنة 2017 .

قهقه الشيخ وقال :
- لقد مر على سنتك 2017 أكثر من قرن .
تحسست قصيدتي التي لازالت في جيبي ووجهي لكني وجدت شعر رأسي ولحيتي زاد طوله أكثر من اللازم حتى الأظافر زاد طولها . قلت :
- كم لبثت في النوم ساعة أو ساعتين ؟ 
قال الشيخ: 
- ربك أعلم كم لبثت أتريد الصلاة في القدس ؟
قلت :
- نعم اذا لم يكن فيه خطر .
نزل الشيخ كأنه البرق .
وجدنا أنفسنا في فلسطين لم نجد أثرا للجنود الصهاينة حتى العساكر الفلسطينيين لا وجود لهم ؛ قال الشيخ :
- اطمئن فلسطين تحررت منذ عقود ؛ والعالم عمه الإسلام والسلام . وألغي حق الفيتو والتأشيرات ؛ ودمرت الأسلحة الفتاكة بعد أن قررت دول الخليج عدم تصدير البيترول للدول العظمى ؛ واسترجعت كل الأراضي المنكوبة ؛ أما اليهود فقد هزمهم المسلمون في أشرس معركة حتى شبعت الغربان من جثتهم .
توضأت في المسجد الأقصى وصليت الفجر مع الشيخ .
بعد الصلاة سمعت آذانا آخر أيقظتني زوجتي قائلة :
- صباح النور سنة سعيدة لقد أحضرت لك الماء الساخن قم لتتوضأ .
قلت وقد علمت أنه كان حلما جميلا : 
- يا ليت حلمي يتحقق .
بعد الصلاة قرات سورة الرحمان ؛ وتابعت كتابة قصيدة : (عودة الروح) .
محمد المؤذن مؤسس ورئيس جمعية كازابلانكا للتراث الشعبي - المغرب

ليست هناك تعليقات: