الشاعر المغربي الكبير عبد الله راجع :
شاعرملاحم التروبادور و التجديد بامتياز
-------------------------------------------------
مجدالدين سعودي
---------------------------------------------
الفصل الأول :
------------------------------------
تقديم :
عبد الله راجع شاعر بطعم و حجم شعراء التروبادور المتجولين و المسافرين في كل أنحاء العالم بحثا عن وطن و حلم جميل ...
يتحدث في قصائده عن الألم و المعاناة و الغربة بلغة مشاكسة و عميقة ..
هو من شعراء السبعينات : شعراء الزمن الجميل و هم قلة ...
رفض الانتماء و التحزب السياسي ، لكن فكره يبقى يساريا و يميل للفقراء ...
يقول عنه الكاتب المغربي صلاح بوسريف : ( راجع شاعر مغربي، كان بين الشُّعراء القلائل الذين اسْتَشْعَرُوا الكتابةَ كمسؤولية، ومارسوها بقلق حقيقي، ودون افْتِعال، أو ذهاب للكتابة دون معرفة شعرية. فرسالته الجامعية ‘القصيدة المغربية المعاصرة، بنية الشهادة والاستشهاد’، هي ‘بيانُ’ راجع، في فهمه لمعنى الشِّعر المعاصر، ولمعنى الحداثة الشِّعرية. فهو ثاني شاعر مغربي، بعد محمد بنيس، يدرس النص الشعري المعاصر في المغرب ) ....
عبد الله راجع اسم كبير ، و يقول عنه الكاتب الكبير محمد بنيس رفيقه في مجلة ( الثقافة الجديدة ) : ( عبد الله راجع هو شهيد القصيدة المغربية المعاصرة ) ..
---------------------------
سيرة ذاتية :
-----------------------------------------
(ولد سنة 1948 بمدينة الدارالبيضاء ابن الحي المحمدي، حصل على الباكالوريا بعد التحاقه بالتجنيد الإجباري بمدينة الحاجب. أحرز على شهادة الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب و العلوم الإنسانية بفاس سنة 1972، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الأدب المغربي المعاصر من كلية الآداب بالرباط سنة 1984 . اشتغل أستاذا بمدينة الفقيه بن صالح ثم حارسا عاما بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء، فأستاذا بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بنفس المدينة. التحق عبد الله راجع باتحاد كتاب المغرب سنة 1976 . انضم إلى هيئة تحرير مجلة " الثقافة الجديدة " ابتداء من عددها التاسع سنة 1978 . أصدر رفقة أمجد ناصر حسون ( عراقي مقيم في المغرب) مجلة " رصيف". عن ( ويكيبيديا )
-----------------------------------
اصداراته
------------------------------------
أصدر عبد الله راجع مجموعة من الأعمال الشعرية و الدراسات النقدية: في الشعر، الدواوين التالية:
ـ الهجرة إلى المدن السفلى : شعر ( دار الكتاب) ـ 1976
ـ سلاما و ليشربوا البحار: شعر ( منشورات الثقافة الجديدة) ـ 1982
ـ أياد كانت تسرق القمر: شعر ( دار النشر المغربية) ـ 1988
ديوان ( وردة المتاريس )
ديوان ( أصوات بلون الخطى )
في الدراسات:
ـ القصيدة المغربية المعاصرة: بنية الشهادة و الاستشهاد ( جزءان ـ عيون المقالات ) الجزء الأول: 1988 ـ 316 صفحة. الجزء الثاني: 1989 ـ 208 صفحة. توفي الشاعر عبد الله راجع في 28 يوليوز 1990 بإحدى مصحات الدار البيضاء. )
----------------------------------------
الفصل الثاني
-----------------------------------------------
مميزات كتاباته :
--------------------------------
عبد الله راجع ، شاعر مثقف ، كثير الاطلاع على الأدب العربي و الغربي و غيرهما ، و كان كما يقول الأستاذ محمد صولة : (يقرأ شعر الشعراء العرب كثيرا منهم البحتري وأبو تمام، وإذا أراد أن يمزح يقرأ شعر جرير والفرزدق والأخطل، أما المتنبي فكان يلازمه في كل وقت ويجد في بلاغته وأحكامه وعزة نفسه ما يصبو إليه ) ...
يواصل الأستاذ محمد الصولة قائلا بلسان أحد أصدقاء الشاعر عبد الله راجع :(وكنا نقرأ معا بعض القصائد للشعراء الرومانسيين والبرناسيين والرمزيين والسرياليين الفرنسيين بحكم إطلاعنا المتواضع على هذه اللغة، فكان هوجو (Hugo) وموسيه (Musset) وفينيي (Vigne) ولامارتين (Lamartine)، وكان لوتريامون (Lautreamon) وسوبرفيال(Superveille) وأراغون (Aragon) وأبولينر(Apolinaire) وبريفير (Prevert) من الشعراء المفضلين لديه زيادة على ملارمي (Mallarmé) ورامبو (Rimbaud) وبودلير (Baudelaire) وفرلين (Verlaine).
... وكنا نقرأ مترجمات الشعراء الإنجليز، كإليوت وييتس وأخرى لشعراء عالميين كنيرودا وناظم حكمت وإيفتشنكو..» ) ..
أما الناقد سعيد فرحاوي فيعترف قائلا
:( لن نختلف ان قلنا ان عبدالله راجع مثل مرحلةشعرية قوية من شعرنا المغربي الحديث، بل نذهب ابعد من ذلك ان قلنا ان كتابته مازالت حاضرة بعمقها وبقوة بناء دلالتها وتحررها من مجموعة من القوالب التي ظلت محتكرة نمطا كتابيا طال امده في هذا المجال زمنا طويلا .هذا العمق وهذه القوة والثورة في انتاج نصوص جد عميقة احالتنا على اطلالة من نوع اخر على كتابة جميلة من الكتابات التي اثارت ضجة في زمنها ، ومازالت الى حدود الان تتواجد بيننا وكانها انتاج جديد ) ...
و تبقى القصيدة عند عبد الله راجع غير نهائية :ففي رسالة للشاعر المغربي محمد بوجبيري منه مؤرخة بتاريخ 18/05/1975 يقول: «لا يمكن للقصيدة أن تنتهي حتى تغور الأرض وتبتلع ما عليها»
-------------------------------------------
قراءة متأنية و مختصرة لدواوينه الثلاثة :
---------------------------
الديوان الأول : ( الهجرة الى المدن السفلى ) :
صدر سنة 1976 و هو أول دواوينه الشعرية ، اعتمد فيه على شعر التفعيلة عبر رؤية شعرية و جمالية و فكرية و فلسفية و كذلك على الايقاع و الوزن عبر رؤية حداثية و الخروج من جبة التقليد الأعمى مع احترام تام للموروث الثقافي اضافة الى المحافظة على الانتماء العضوي للشعب و لعموم الفقراء ...
الديوان الثاني : ( سلاما و ليشربوا البحار ) :
صدر سنة 1982 و هو ثاني دواوينه الشعرية ، اعتمد فيه على ( التجربة الكاليغرافية ) عبر توظيف عدة أشكال خطية هندسية ، حيث طور فيه مواقفه و خطاباته الشعرية مع الاعتماد دوما على الايقاع و بلاغة التكثيف و التركيز على شعرية النص ، و في هذا الصدد يقول الأستاذ عبد الغني فوزي : كان عبد الله راجع في هذا الديوان
:( منفتحا على على التجربة الكاليغرافية دون تصالح مع الجاهز و النمطي في الشكل ، مواصلا مسيرته الشعرية غير المرتكنة للوصفة و التصنيف البارد و سنده الرمزي صداقات مع شخوص من الحياة و الكتابة ( الشكدالي ، عروة بن الورد ، لوركا ... ) ..
الديوان الثالث : ( أياد كانت تسرق القمر ) :
صدر سنة 1988 و هو ثالث ديوانه ، اعتمد فيه على الحس الوطني عبر التجديد في المعاني ، حيث هيمن فيه حب الوطن ، و في هذا الصدد يقول الأستاذ عبد الغني فوزي عن هذا الديوان : ( أسس لنفس ملحمي في قصيدة محتشدة بالحالات و المواقف ضمن تشخيص حواري ملحمي يليق بالتراجيديات العربية المتعددة الأشكال ... ) .
يقول عبد الله راجع حول الشعر : ( الشعر هو ما نتنفسه ، ما نقتات عليه ، هو ما نطمح به أن نؤسس عالما جديدا ، عالما تسود فيه القيم التي ظل الشعر ينادي بها منذ أيام هوميروس الى الآن ) .
يقول صلاح بوسريف : ( المتأمِّل في تجربة عبد الله راجع، في دواوينه الثلاثة الصادرة في حياته، أو في دِيوَانَيْه الأخيرين، الصادرين ضمن أعماله الشِّعرية، سيضع يَدَهُ على طبيعة الرؤية المأساوية، أو التراجيدية التي كان يصدر عنها الشَّاعِر، في علاقته بالواقع، وفي ما كان يحمله من مشروع شِعْرِيّ، بَقِيَ فيه راجع مُخْلِصاً لمواقفه، ولم يتنازل عن البُعد الوطني المحلي، أو هذا النَّفَس المغربي في كتابته. سواء في لغته، التي كانت، في تركيبها تميل إلى اللسان العام، في صياغة بعض التعبيرات، أو بناء الصور، التي كانت تخرج من هذا البُعد ذاته، أو تصدر في عمقها، عن بعد رمزي، هو البُعد البروميثيوسي، تحديدا. المتأمِّل في تجربة عبد الله راجع، في دواوينه الثلاثة الصادرة في حياته، أو في دِيوَانَيْه الأخيرين، الصادرين ضمن أعماله الشِّعرية، سيضع يَدَهُ على طبيعة الرؤية المأساوية، أو التراجيدية التي كان يصدر عنها الشَّاعِر، في علاقته بالواقع، وفي ما كان يحمله من مشروع شِعْرِيّ، بَقِيَ فيه راجع مُخْلِصاً لمواقفه، ولم يتنازل عن البُعد الوطني المحلي، أو هذا النَّفَس المغربي في كتابته. سواء في لغته، التي كانت، في تركيبها تميل إلى اللسان العام، في صياغة بعض التعبيرات، أو بناء الصور، التي كانت تخرج من هذا البُعد ذاته، أو تصدر في عمقها، عن بعد رمزي، هو البُعد البروميثيوسي، تحديدا. )
و يواصل الأستاذ صلاح بوسريف قائلا : ( من يقرأ هذه الأعمال الشِّعْرية، دُفْعَةً واحدة، بقدر ما ستبدو له النصوص مُتَفرِّقَةً، خصوصاً في دواوينه الثلاثة الأخيرة، بقدر ما ستبدو له تجربة الشَّاعِر واحدةً، خرجت من نفس النَّسِيج، رغم ما يبدو فيها من شَتَاتٍ، كان فيه راجع، لا يَفْتَأ يعود لنفسه، ولمِاَ كان يَعْتَمِل في روحه من جراح ) ...
------------------------------
الفصل الثالث :
------------------------------
نماذج من كتاباته :
--------------------------------
قصيدة تروبادور
ها وردةٌ أولى:
هي الأرضُ التي تحبو على كتفي تترك في القصيدةِ
لحمَها
و أنا امتدادُ الحلم في الجسدِ المحاصرِ بالكتابه
لا شيء يُنقدني من الأرض التي تمشي
سوى الأرضِ التي تأتي
و ليس رحيلُ أحبابي سوى مرِّ سحابه
و أنا أحبكِ يا زهيراتِ الخريف،
و لكنْ،
كيف أمشي
و على جفنيكِ ظلٌّ من كآبه؟
ها وردةٌ أخرى:
هي الموتُ المؤجلُ،
و هي خاتمتِي الغريبه
و التي تأتي لتسأل عن دخانِ القلب
تُحْيِِينِي
تُضيف إلى سنينِ العمرِ شهراَ
عندما أنحازُ للموت المؤجل أستضيءُ بنجمتينْ
و إذا أتتْ , أرتاحُ ساعاتْ، وأُسبِلُ دمعتينْ
و أنا امتدادُ الحلمِ
و الموتُ المؤجلُ
كلما نبتتْ بقلبي
وردةٌ
أحسستُ أن جراحَه تزدادُ شبراَ
الأرضُ أرضي، لا حدودَ و لا جوازاتِ سفرْ
فُقَراؤُها أحبابُها، أصحابُها، ولهم حكاياتٌ طويله
و التي صعدتْ إلى الأعلى يلامسُ كفُّها سطحَ القمرْ
أما التي هبَطتْ إلى أرضي، فأهدتني جديله
و أنا امتداد الأرض ليس لديَّ غيرُ ترابِها
عصفورةٌ سُرقتْ، و قلب يرتمي في الطينْ
ليس لديَّ غيرُ سُوَيعةٍ لو كان يكشفُ سرَّها,
نطقَ الحجرْ
و أنا امتدادُ الأرضِ ليس لديَّ غيرُ همومِها
و أحبَّتي الفقراءُ في الأرض التي تمشي
و حكايةٌ خبأتها حتى يبللَها المطرْ
لأني أُُحِسُّ بأن َّ النهايةَ أقربُ من شفتي إليَّ
ستفتحُ كل ُّ الحوانيتِ أبوابَها لو رحلْتُ
تقام ُ الولائمُ في الصيفِ، يبكي عليَّ
عزيزاً عشقتُ، وعاما يفتحُ أبوابَه للقمرْ
و ينمو السؤال ُ المقدسُ فوق جبين ِ ابنتي :
- "أبي... أين راحا؟
لماذا إذنْ لم نعدْ نرتخي بين حِضنِه
حتى نذوبَ ارتياحاَ؟"
لأني أَحسَّ بأن السياحة َ في الأرضِ ليست تدومُ
دوام َ العمرْ
و أني على الأرض سائحْ
سينبتُ في جسدي من بقاعِ البلادِ التي قد رأيتُ
شـجــرْ
سيذكرني لحظةً في المقاهي التي عرفتني
رفاقٌ رأوا جبهتي تتغضن قبل الأوانْ
يقولون راح هدَرا و هدَراَ
و كان يطارحنا الهمَّ حينا بهذا المكانْ
و حينا يخبئ حزنَ البلادِ وراء ابتسامتِهِ
ثم كان , و كانَ, و كانْ....
لأني أحس بأن السفينةَ تهوي إلى مستقرٍّ و لا
مستقرْ
و أن الربيعَ الذي وعدوني به ليس غيرَ الخريفْ
صرختُ من القلبِ: لا
لعصفورتي أن تعودَ، لقلبي حنينٌ.. أحبّ ُ أن أبوحَ بهِ
لبلادي التي شردتْ أصدقائي...
يدٌ تمسحُ الدمَ عنْ
جسدي
صرخت من القلب: لا
وأدركت أني أميل إلى البحر مرتحلا
وأكتشف الزيف في هزة الرأس، في بسمة،
أو حديث " لطيف "
وأكتشف الموت يرصدني في الممر
ويطرق بابي في مكتب، أو يتابعني في الرصيف
-------------------------------------------------------------------
قصيدة ( قوس قزح يشرق في الداخل ) :
يخبرني النورس المقبل
عن الليل تصهل في جوفه الأحصنة
تموت الحساسينُ عطشى على شرفات زمان طويل
من القيظ يمتدُّ جسراً
إلى آخر الأزمنة
وذات شتاء كهذا الشّتاء
مددت عيوني من الثُّقب، أبصرت حمناً
يطلُّ
من الشّفق
خيولا تدك حوافرها جبهة الأفق
فالأفق بحر دماء
يشقّ التواء الأزقة - طحلبها الصمتُ والتّعبُ -
تمطّيتُ: (ها أقبلت سنة الجدب عبر انكسار المواقيتِ)
وانكشف البحرُ عن سُفُن القرصنهْ
* * *
يخبّرني النورس المقبلُ
عن البحر يقذف للشط ريحاً تمرُّ على كلّ دارْ
تدقُّ تدق وجوهاً علاها الغُبارْ
سألت المسافات عن عطشٍ يستبيح جذوري
تحسّست وجهي اليُطّل، ترسّب ملحاً
على هامتي الوجهُ، إذ عرفتني السمائم خلسهْ
تقيأت لوني على عربات انتظار البشارهْ
ولوحت للرّيح تعبُر بي الموتَ، علىّ أغيّر وجهي
إذا اختلجت في المدى الألويهْ
فلم يذب الهمّ.. لكنْ.. عيون الرجالْ
تقولُ: عبرناكَ يا زمن القحط
وها نحن نمتدّ لبلابةً لا تطُال
* * *
فتحت الشبابيك في زمن القيظِ للرّيح والسابلهْ
يجيئون - واللّيل عرّش - قافلة ً من عيون
تسيلُ اشتعالاً
على وهج الطمث ما اندحرت بعدُ راياتها القافلة
تموج مدى التّيه.. قلت : التّواريخ قد بدأتْ.
فمددت إلى الريح كفّا وكفّاً إلى العابرين الجسورْ
توضأت بالطّين والنارِ، فاشتعلتْ في الجبين
رموز العشيرة صارت على الخدّ شامهْ
إذا اندحرتْ سفن الأهل يوماً
ففي الوجه منه علامهْ
* * *
تداخلت في زمن الفصل، ها برز الحقُّ وانكشف الفرقُ
بين انتظار البشارات والسّفر
يلوح على هودج السّالكين المفاوزَ وشماً
تعتّق في كُتُب السّهر
فمن يلجِم الخيل، إن نفرت للمدى غِبّ هذي العشيّات
فاختلط البحر باليابسه
على سنة الخصبِ أو قُلبت آية الهمّ حرفا
تدُكُّ الخيول، إذن ، هامة الشّرفات
فأطوي الصّحاري إلى وطنٍ كان بالأمس منْفى
وكان على كل بابٍ خفيرْ
تداخلتُ في زمن الفصلِ.. عيْني
على المدن المستردة ألوانها
وقلبي مع العابرين الجسور.
-------------------------------------
من قصيدة:
مكاشفات من دفتر الغربة
لجبال الريف عيونٌ ترصد أمواج البحر المتوسطْ
كيف إذن حين افتضّت سفن الغزو شواطئ سبتهْ
وامتلأت برذاذ الدهشة والحزن عيون الأطفالْ
لم تصهل في منعرجات الريف خيول «الخطَّابي»
أو تتحرّك راياتك يا أنَوالْ؟
كي تكشفَ أوراق الغَبَشِ المتمدِّد شرْخًا يتقيّح في
ذاكرةِ الريف لعل غضون البحر الغاضبْ
تُفرزُ ثانيةً وجه الخطّابيْ إذ يقرأ فاتحة «الحركةِ»
والموت أمام الباب المسدودْ
فتموجُ الشطآن برائحة الزعتر والبارودْ؟
«أَلِفٌ» تعرف أسرار الطمي وأوجاع الغجر الحبلى بالعَرَقِ
الألف الممتدة كالنخلة في وجهك يا أمواجَ المتوسطْ
كم كانت تقْطر بالشهوة إذ فَتَحَتْ أبوابَ العصيان الشيِّق في وجه الأفراس الريفيهْ
تمسح عن جسد الوطن الفاتن آثار الأقدام الوحشيّهْ
أو تنقش في ذاكرة البحر العابس أسماء الفرسانْ
وتواريخ اللحظات الأولى من عام الطُّوفانْ
تتأملني واجهاتُ المتاجر أو تستبيح عيوني
أنا المتقمّص لونَ الدواخل ، هل كل من عَبَرَ الدرب كانتْ تضاريسُ عينيه تَرْشَح بالفرح؟ اغتسلي بالمواجعِ
يا لغةً تتراشق في القلب، صار جواز المرور ابتسامهْ
وعلى باب سبتةَ كلُّ حديثٍ عن الريف يُشعل نار القيامه
آهِ يا رحلةً تستعير من الحزن وجهًا وتحمِلُني
ما ترقرقَ في القلب إلا نداءُ القبيلة يغتال صوتي
فهل في عيونك غيرُ السهاد طريقٌ
لأختزنَ الفرح المتشمِّع في رئتي زمنًا، قبل أنْ يتمدّدَ بيني وبين الأحبة وجهُ المساءْ
آهِ يا رحلةً بين قلبي وقافلة الأنبياءْ
أتعبَتْني الهموم التي تتوالد في الرئتين الهموم اشرأبَّتْ
على غفلةٍ من عيون الجمارك صادفني الحزن في خُطوةٍ
فسحبت عيوني وما انسحب الشوق آهِ
بكيتُكَ يا وطني ليلةَ العرس فاحتقنتْ بالمواجعِ
كلُّ الحروف التي تهرب الآن مني
ولم تبقَ في الصدر إلا وجوهُ الأحبة والرئة المشْرَعه:
جاءني الهمُّ تمتم في أذني لحظةً فارتديت انبهاري وسرتُ معَهْ
نونٌ تتمدّد كالخندق في أحراش الريف الغاضب، تنقُرُ ذاكرةَ «الخنراليسمو» إذ تسكنها أحلام المرضى بالزهري
النون المسكونة بالعَرَقِ الريفيِّ وأوجاع الحرس المهزومِ على أعتاب الناضورْ
هل كانت إلا لغة الميلاد الأنقى
تُفرزها حنجرة المعمورْ؟
حين امتدَّت كفُّ الخطابيْ تكشف أوراق العصر الحجريْ
ونتوءات السرطان المتعفّن في مدريدْ
واوٌ لغةٌ أخرى تركض في حنجرة الوطن العابس أحرفها تتقمّص لونَ الرئتين ولا تعبر أعضاء النطقْ
لغةٌ أخرى تتجاوز كلَّ الأوسمةِ الملقاة على صدر الجنرالِ المتقاعدْ
تطلع من بين قصائد «لوركا» وكتابات الأطفال على الجدرانِ الجيريّه
كي ترسمَ خارطةً أصفى لعيون الإنسانْ
تأخذ من حركات القلب اللونَ وأحوال الطقس لذا ترفض أن تتخشَّب فيها الألوانْ
أو تخضعَ يومًا لفصول العامْ
-----------------------------
خاتمة :
----------------------------------
يبقى الشاعر و الناقد عبد الله راجع من أفضل الأسماء المغربية عبر مسار شعري و نقدي ناجح ، و قد اختطفه الموت و هو في عز العطاء ، و يقول في حقه الأستاذ أحمد الشيخاوي : ( هو كذلك الرمز – مشارقيا و مغاربيا – الشاعر الفحل عبد الله راجع الذي قطفته و على حين غرة ، يد الردى ، مبكرا ، مغتالة بذلك أحلام أمة في كليتها .
ارث الرجل باذخ يعتمد المزاوجة و القران بين الممارستين النقدية و الشعرية بريشة استثنائي عاش وفيا للقاعدة الجماهيرية العريضة جدا مترنما بأوجاعها و همومها و انشغالاتها . ) .
--------------------------------------------
مجدالدين سعودي
كاتب و اعلامي و ناقد مغربي