موسيقى


عابر وسط الجحيم
---0- 0 ---
لبس لباسه الرث و انتعل ذلك الحذاء المقطع الذي باتت الرائحة المنبعثة منه تقتل الذباب، وخرج في الصباح يطرق الأبواب، من حي لآخر، مرة عند الطيب ومرة عند الخبيث.
دق على الباب الأول
* يا من يطعمنا لله
أخرجت له عجوز قطعة خبر بارد وفالت له:
- بسم الله
وضعها في جرابه وانصرف وهو يقول في نفسه :
- أصبحت كلب آكل الخبز اليابس.
دق على الباب الثاني
* يا من يطعمنا لله
خرجت له بنت بصينية فيها شيء من الزيت في صحن صغير وقطعة خبز دافئ وكوب شاي ساخن.
جلس وتناولهما عند عتبة الباب وانصرف وهو يقول:
- أعطوني كسرة خبز وقطرة زيت و كوب شاي، كما لو أنهم طلبوه من عند أحد ما.
دق على الباب الثالث
* يا من يطعمنا الله
خرج له رجل مفتول العضلات وقال له:
- الصباح لله، أيقظتنا من النوم باكرا، افطرنا نحن أولا ، لا تأتي مرة أخرى وتدق باب هذه الدار، تم دخل وأوصد في وجهه الباب.
ابتعد عنه وهو يرتعد و يدعو عليه في نفسه بالفقر والكثير من المصائب، حتى يحس بما يحس به.
ثم انصرف لباقي الأبواب، بين من يطعمه ومن يعطيه درهما لله، وبين من ينهره وآخرون يقولون له الله يجيب، حتى راحت الشمس.
لم يترك لا باب مسكن ولا مسجد عند الصلاة دون أن يصلي، ولا باب حانة دون أن يتظاهر بالفاقة والفقر.
في المساء عاد لوكره، استحم وغير ملابسه بأخرى نقية وانتعل حداءه الجميل ورش عليه عطرا رخيصا، ثم خرج من جديد و سلك طريقا جديدا عبر منعرجات أخرى، لدار " شامة القوادة ".
لقد ألف كما يقال " فلوس اللبن يديهم زعطوط " أن يقضي ليله هناك مع متسولة أخرى بلحمها الطري، كمقابل للصدقة التي باع من أجلها، ولد لهبيل دم وجهه، طيلة كل يوم مرات ومرات، لمن دق على أبوابهم طلبا للقوت الذي بات بعد الشبع منه، فاسدا في جبة متسول، وهو عابر وسط الجحيم.
بقلمي
المصطفى لخضر
مساء يوم السبت 16 دجنبر 2017

ليست هناك تعليقات: