* محاورة (نقدية) لقصيدة .. غياب .. للشاعرة ليلى نشيط ..
بقلم : محمد الطايع ..
1 - المقدمة :
الشعر منبر العاطفة الحرة ، جسر التواصل الإنساني ، ولغة الوجدان والإحساس والتفاعل مع الحياة والناس والوقائع والتجربة الذاتية والموضوعية ، إلا أن للشعر خصوصيات تميزه عن باقي أجناس القول والتعبير ، فهو مجال خصب للحلم ، للخيال للرمز والتقمص والإستعارة ، لكن هذا كله لايمنع أن تتوفر للشاعر حالة موازية من الوعي ، فالعقل ليس بمنأى عن حالة التوليد الشعري ، فهو المتحكم في اللغة والمتكن من آلياتها ، وعن طريقه تبرز أهمية الصنعة الشعرية التي لاتتعارض إطلاقا مع دفق العاطفة ، وانسيابية الحالة التعبيرية ، وهو أيضا ذلك المؤطر للأخلاق والموجه للخطاب الفكري الذي إن خلت منه قصيدة ما ، كانت أشبه بحالة من الهذيان والغموض ، الذي يكون غالبا سببا في انقطاع حبل التفاعل بين الشاعر والمتلقي ، والقصيدة عموما إن لم تأتي بإضافة ما ، فإنها تبقى مجرد قول مكرر وإعادة باردة لما كان من قبل متوهجا ، ولا يعني هذا أن على كل من أتى بقصيدة أن يكون مجددا ، لكن بالمقابل لابد أن تشعر وأنت تقرأ نصا أنه قد أضاف شيئا للتجربة الإنسانية ،
وخلال محاورتي هذه لقصيدة ( غياب ) للشاعرة المغربية ليلى نشيط ، أتوخى إبراز أين تكمن جمالية الإندماج مع هذا النص ، وكيف تأتى له أن يكون مؤثرا ، يحمل عمقا ودلالات سأحاول الوقوف عليها ، بما تقتضيه استجابتنا مع المؤشرات الثقاقية المعرفية والفنية التي يحملها معه إلينا نص ( غياب ) ويضعها بين أيدينا ..
اما لماذا سميت محاولة النقد هذه محاورة ، فلأننا جميعا نعلم شروط ، النقد عموما ، فهو إما أن يتبنى نظرية نقدية كاملة ، وإما أن يختار توجها خاصا ينطلق وينتهي من خلال قناعات الناقد الفردية والتي طبعا لابد أن تتوافق مع ظاهرة النقد عموما وما تستوجبه من جدية ، ورصانة ومسؤولية في الطرح والمبنى ،
ومن هنا أعلن أن ما أكتبه الساعة ، ليس دراسة ولا مبحثا ، ولاقراءة ولا مقاربة ، فلقد اتضح لي بعد عدة تجارب ومحاولات منها ما لاقت استحسانا أو إعجابا واعترافا ، ومنها ما ظلت مجرد سطور على ضفاف النصوص التي حاورتها يوما ،
وأنا إذ أعتمد هذا الاسم فلأني متأكد أن بداخل كل واحد منا ناقد ، وهذا الناقد يمتلك ملكة تفاعل خاصة بما لديه من مرجعية ثقافية يرى أنها فاعلة ، وقادرة على توجيه الفكر نحو حكم معتدل ، وهذا طبعا راجع للمعطيات الظرفية التي تعيشها الثقافة العربية اليوم عموما ..
فأنا أعتبر النص الأدبي صوتا متكلما يحمل خطابا ومضمونا مؤطرا بلغة ، ومدعوما بمفاهيم ، معتمدا ثراء التجربة ، ومدى قابلية المتلقي ، وما تحمله الاشارات المتبادلة بينهما من قبول أو رفض ، فالنص عموما سؤال ، وتفاعل القاريء جوابه ، والنص أيضا طرح اسثتنائي وتجاوب القاريء رد صامت او متحرك سلبي او ايجابي ، ومن خلاله يفهم مدى قدرة الفاعلين ، الكاتب والقاريء على انتاج المعنى ..
وخلال محاورتي هذه لقصيدة ( غياب ) للشاعرة المغربية ليلى نشيط ، أتوخى إبراز أين تكمن جمالية الإندماج مع هذا النص ، وكيف تأتى له أن يكون مؤثرا ، يحمل عمقا ودلالات سأحاول الوقوف عليها ، بما تقتضيه استجابتنا مع المؤشرات الثقاقية المعرفية والفنية التي يحملها معه إلينا نص ( غياب ) ويضعها بين أيدينا ..
اما لماذا سميت محاولة النقد هذه محاورة ، فلأننا جميعا نعلم شروط ، النقد عموما ، فهو إما أن يتبنى نظرية نقدية كاملة ، وإما أن يختار توجها خاصا ينطلق وينتهي من خلال قناعات الناقد الفردية والتي طبعا لابد أن تتوافق مع ظاهرة النقد عموما وما تستوجبه من جدية ، ورصانة ومسؤولية في الطرح والمبنى ،
ومن هنا أعلن أن ما أكتبه الساعة ، ليس دراسة ولا مبحثا ، ولاقراءة ولا مقاربة ، فلقد اتضح لي بعد عدة تجارب ومحاولات منها ما لاقت استحسانا أو إعجابا واعترافا ، ومنها ما ظلت مجرد سطور على ضفاف النصوص التي حاورتها يوما ،
وأنا إذ أعتمد هذا الاسم فلأني متأكد أن بداخل كل واحد منا ناقد ، وهذا الناقد يمتلك ملكة تفاعل خاصة بما لديه من مرجعية ثقافية يرى أنها فاعلة ، وقادرة على توجيه الفكر نحو حكم معتدل ، وهذا طبعا راجع للمعطيات الظرفية التي تعيشها الثقافة العربية اليوم عموما ..
فأنا أعتبر النص الأدبي صوتا متكلما يحمل خطابا ومضمونا مؤطرا بلغة ، ومدعوما بمفاهيم ، معتمدا ثراء التجربة ، ومدى قابلية المتلقي ، وما تحمله الاشارات المتبادلة بينهما من قبول أو رفض ، فالنص عموما سؤال ، وتفاعل القاريء جوابه ، والنص أيضا طرح اسثتنائي وتجاوب القاريء رد صامت او متحرك سلبي او ايجابي ، ومن خلاله يفهم مدى قدرة الفاعلين ، الكاتب والقاريء على انتاج المعنى ..
2 - عرض المحاورة النقدية :
بداية نعلن أن نص ( غياب ) الذي نحاوره الآن ، ينتمي إلى جنس القصيدة النثرية ، فالقصيدة تعتمد تقنية الإيقاع الداخلي ، والموسيقى الشعرية التي تولدها اللحظة المبدعة ، فتستوجب تناسقا فنيا لا يسقطه نشاز الارتباك ولا حالة التعثر التي يحدثها سقوط النص في النثرية الخبرية الخالية من أي تناغم ولا اية قيمة إنشادية .. وكل هذا طبعا لايكتمل إلا من خلال تنسيق فني متكامل وتتابع المفردات في حالة من الاسترسال العذب ، وذلك ماتحققه قدرة الشاعر على استمعال المفردة اللغوية ، ففي قصيدة (غياب ) نلاحظ استخدام الشاعرة لكلمات متداولة لاتلزم القاريء بالعودة إلى معاجم اللغة ، مما يجعل النص في متناوله ، فيكون هذا بمثابة عربون صداقة وألفة ، بينهما ، فلايشعر القاريء بغربة النص عنه ولا غربته عن النص ، مما يوفر ضرفا مثاليا للتواصل ، وتبادل الإشارات العاطفية والفكرية والرسالية ، فلقد أرهق العديد من الشعراء جل المتلقين وهم ينقبون في القواميس عن المفردات الشاذة والمستعصية على الذوق العام ، مما ينتج حالة من القطيعة بينهما بسبب ما يشعر به القاريء من توثر وانقطاع رغبة استمتاع بجمالية النص ، بل وقد يذهب البعض في تأويلاتهم إلى اتهام الكاتب بالاستعلاء ، والنظرة الفوقية ، نعم الشاعر ابن بيئته ، واللغة ليست غاية في حد ذاتها ، فهي الحامل التقني والمادي لعمق المعنى او حتى سطحيته ، فالغاية المثلى من التواصل الإنساني هي تبادل الافكار ، والتفاهم ، ومشاطرة المشاعر الآدمية ، لكن طبعا هذا لا يعني اطلاقا ، الموافقة على تسطيح اللغة ، أو أي ضرب من ضروب اللحن والاسفاف ، بل وحتى مايقع فيه البعض من أخطاء لغوية نحوية او إملائية والتي ندينها بشدة خاصة ونحن نصادفها على صفحات بعض المجلات والمنابر الثقافية ، سلامة اللغة شرط الإبداع ، وكذلك لانعتبرها مغالاة أن يحاول المبدع التنويع بل والإدهاش في طريقة تعامله مع ارثنا الحضاري الكبير ، ألا وهو اللغة ،
حسنا ونحن نصغي للإرسالية الشعرية التي بين أيدينا الآن نجد الشاعرة المغربية ليلى نشيط قد تركت قصيدتها ( غياب ) وهي قصيدة متوسطة الطول ، تخبرنا عموما ، أن الحبيب قد غاب عنها ، وأنها بعد غيابه وبسبب احتجابه عنها قد دخلت في حالة من الحزن والبؤس العاطفي الشديد ، ومن هنا يطيب لي أن أسأل ، ما غايتنا كبشر من أن نخبر بعضنا البعض عن معاناتنا الخاصة ، راغبين لها أن تصل إلى أكثر عدد ممكن من الناس ، فأي نفع يحصل من هذا الحوار الإنساني المفتوح ، وما دلالاته إجمالا و تفصيلا ؟ وهكذا نرى أن الجواب وهو مجرد إضافة فقط ، تستوجبه ضرورة ضمنية معلنة أو خفية ، فلطالما حاصرنا من لايحبون الشعر أصلا ونقصد من هؤلاء المثقفين والمفكرين وليس العامة ، فنقول إن الشعر ليس ظاهرة مستحدثة معاصرة فتاريخه ضارب في عمق الأثر الإنساني فهو متأصل مع نشأة جميع الحضارات والثقافات دون اسثناء ، مرافق لها ومواز لتطوراتها منذ عصورها البدائية ، دون أن يغيب أو يحتجب ولو لفترة معينة ، فالشعر بأغراضه المتنوعة كان صوت السير والملاحم والأناشيد الوطنية وكان صوت الحرب وداعي السلم ، ومنبر الفخر ، ولسان العداء ، وحضن العزاء ، ولغة الحكي والسرد والسير ، ففي اوج ازدهار الأمم كان بوق اعتزازها ، وفي أسوأ حالات التدهور كان أيضا مناحة مرتاثها وبكائياتها ، بل إن الشعر في بعض الحالات كان سابقا للوعي الجماعي والديني والحضاري ، واليوم في عصرنا هذا وحتى مع تقدم التقنية وتسونامية الاختراعات ، وتطور إمكانات التواصل والتعبير ، لازال يفرض نفسه على الذوق العام ، ولازال يثير جدلا كبيرا حول ماهيته وانواعه وتصانيفه ، إنه ببساطة مفتاح القلوب إلى القلوب ، ورابط الأنفس بالأنفس ، وحقل التشابه والتناظر بين بني الإنسان ، الإنسان هذا الكائن الذي لم يخلق ليعيش وحيدا ، فالوحدة صفة الاهية ، والوحدة في معناها الأدنى أشد خصوصيات الوحشية .. بينما تبقى رغبة الارتقاء والسمو والتطور إحدى ضرورات الاستمرار لهذا المخلوق الذي كرمه الله بالعقل والوعي وتوهج العاطفة ألا وهو الإنسان .. وحتى أولئك الذين ينكرون على الشعر أهميته ، لو صدقوا مع أنفسهم لأقروا أن جل ما يربطهم بالأهل والجمال والحلم ، لهو الشعر في تجليات أخرى .. وهكذا وبعد ما أجبت عن طرح عابر راودني لحاجة في نفس يعقوب قضاها ، اعود إلى قصيدة ( غياب ) للشاعرة ليلى نشيط وأعلن أنها رسالة إنسانية بالغة الصدق والرهافة والبساطة والجمالية ، لأن الشاعرة التي حاصرها غياب الحبيب ، لم تجد سوى الشعر ملجئا لكي تبث غيرها شكواها ، وحتى يسمع أنين قلبها وخفقه المكلوم ، كلمات اجتمع لها بهاء التعبير وسلاسة الوصف ، دون أن تغرق معها القاريء في بكاء ولا نذب ، ولاعويل ، فالقصيدة في مجملها ، خطاب أنيق مترفع عن حالات الصراخ او الاستنجاد التي تعج بها ساحات الشعر ، مما يدفعك للاحساس وانت تقرؤها أنك في حضرة سيدة وقورة عاقلة قوية العاطفة ، تحكي بوحها بفنية ودقة ورصانة ، معتمدة اضافة للسرد الخفيف لما تعانيه ، صورا شعرية رائقة ، لم تخلو من خيال وقدرة رائعة على استخدام الرمز والإشارات المبدعة التي تتوخى الحذر من شر الوقوع في المباشرة التي تلغي عن الشعر كل أحقية ، ولنا في الأمثلة التالية خير دليل ،
قولها :
فطارت رسائل الغرام
إلى حيث لايسكن الحبيب .
وهذا ما يسمى بلاغة بالإستعارة .. إذ تحولت الرسائل إلى طيور ..
حسنا ونحن نصغي للإرسالية الشعرية التي بين أيدينا الآن نجد الشاعرة المغربية ليلى نشيط قد تركت قصيدتها ( غياب ) وهي قصيدة متوسطة الطول ، تخبرنا عموما ، أن الحبيب قد غاب عنها ، وأنها بعد غيابه وبسبب احتجابه عنها قد دخلت في حالة من الحزن والبؤس العاطفي الشديد ، ومن هنا يطيب لي أن أسأل ، ما غايتنا كبشر من أن نخبر بعضنا البعض عن معاناتنا الخاصة ، راغبين لها أن تصل إلى أكثر عدد ممكن من الناس ، فأي نفع يحصل من هذا الحوار الإنساني المفتوح ، وما دلالاته إجمالا و تفصيلا ؟ وهكذا نرى أن الجواب وهو مجرد إضافة فقط ، تستوجبه ضرورة ضمنية معلنة أو خفية ، فلطالما حاصرنا من لايحبون الشعر أصلا ونقصد من هؤلاء المثقفين والمفكرين وليس العامة ، فنقول إن الشعر ليس ظاهرة مستحدثة معاصرة فتاريخه ضارب في عمق الأثر الإنساني فهو متأصل مع نشأة جميع الحضارات والثقافات دون اسثناء ، مرافق لها ومواز لتطوراتها منذ عصورها البدائية ، دون أن يغيب أو يحتجب ولو لفترة معينة ، فالشعر بأغراضه المتنوعة كان صوت السير والملاحم والأناشيد الوطنية وكان صوت الحرب وداعي السلم ، ومنبر الفخر ، ولسان العداء ، وحضن العزاء ، ولغة الحكي والسرد والسير ، ففي اوج ازدهار الأمم كان بوق اعتزازها ، وفي أسوأ حالات التدهور كان أيضا مناحة مرتاثها وبكائياتها ، بل إن الشعر في بعض الحالات كان سابقا للوعي الجماعي والديني والحضاري ، واليوم في عصرنا هذا وحتى مع تقدم التقنية وتسونامية الاختراعات ، وتطور إمكانات التواصل والتعبير ، لازال يفرض نفسه على الذوق العام ، ولازال يثير جدلا كبيرا حول ماهيته وانواعه وتصانيفه ، إنه ببساطة مفتاح القلوب إلى القلوب ، ورابط الأنفس بالأنفس ، وحقل التشابه والتناظر بين بني الإنسان ، الإنسان هذا الكائن الذي لم يخلق ليعيش وحيدا ، فالوحدة صفة الاهية ، والوحدة في معناها الأدنى أشد خصوصيات الوحشية .. بينما تبقى رغبة الارتقاء والسمو والتطور إحدى ضرورات الاستمرار لهذا المخلوق الذي كرمه الله بالعقل والوعي وتوهج العاطفة ألا وهو الإنسان .. وحتى أولئك الذين ينكرون على الشعر أهميته ، لو صدقوا مع أنفسهم لأقروا أن جل ما يربطهم بالأهل والجمال والحلم ، لهو الشعر في تجليات أخرى .. وهكذا وبعد ما أجبت عن طرح عابر راودني لحاجة في نفس يعقوب قضاها ، اعود إلى قصيدة ( غياب ) للشاعرة ليلى نشيط وأعلن أنها رسالة إنسانية بالغة الصدق والرهافة والبساطة والجمالية ، لأن الشاعرة التي حاصرها غياب الحبيب ، لم تجد سوى الشعر ملجئا لكي تبث غيرها شكواها ، وحتى يسمع أنين قلبها وخفقه المكلوم ، كلمات اجتمع لها بهاء التعبير وسلاسة الوصف ، دون أن تغرق معها القاريء في بكاء ولا نذب ، ولاعويل ، فالقصيدة في مجملها ، خطاب أنيق مترفع عن حالات الصراخ او الاستنجاد التي تعج بها ساحات الشعر ، مما يدفعك للاحساس وانت تقرؤها أنك في حضرة سيدة وقورة عاقلة قوية العاطفة ، تحكي بوحها بفنية ودقة ورصانة ، معتمدة اضافة للسرد الخفيف لما تعانيه ، صورا شعرية رائقة ، لم تخلو من خيال وقدرة رائعة على استخدام الرمز والإشارات المبدعة التي تتوخى الحذر من شر الوقوع في المباشرة التي تلغي عن الشعر كل أحقية ، ولنا في الأمثلة التالية خير دليل ،
قولها :
فطارت رسائل الغرام
إلى حيث لايسكن الحبيب .
وهذا ما يسمى بلاغة بالإستعارة .. إذ تحولت الرسائل إلى طيور ..
وقولها أيضا :
فيطل الغراب مترنحا ،
في بطء من أثقلته الهموم
وتغني البومة لحن هوى
ضياع في غياهب الزمن ..
في بطء من أثقلته الهموم
وتغني البومة لحن هوى
ضياع في غياهب الزمن ..
فنرى هنا الغراب متقمصا حالة مخمور يترنح .. وهذا ما يسمى بلاغة بالكناية .. إذ تم حذف المخمور .. والصاق صفته بالغراب ..
دون ان ننسى ما للغراب والبومة التي غنت هنا في القصيدة .. لحن هوى .. فما أحسبه إلا موالا يمتد من هنا وحتى عهد الجارية مواليا التي بكت سيدها البرمكي القتيل على يد هارون الرشيد ، فهو موال من فقد الامل في عودة الحبيب اليه مرة أخرى ، مع يقينه التام أنه غير قادر على النسيان ، ولا سبيل له للسلوى ...
دون ان ننسى ما للغراب والبومة التي غنت هنا في القصيدة .. لحن هوى .. فما أحسبه إلا موالا يمتد من هنا وحتى عهد الجارية مواليا التي بكت سيدها البرمكي القتيل على يد هارون الرشيد ، فهو موال من فقد الامل في عودة الحبيب اليه مرة أخرى ، مع يقينه التام أنه غير قادر على النسيان ، ولا سبيل له للسلوى ...
وقول الشاعرة أيضا :
يتدثر البدر بجبة
وينزوي كمدا حتى
يشرق وجه شمس شاحب
من استحالة النوم .
وينزوي كمدا حتى
يشرق وجه شمس شاحب
من استحالة النوم .
هنا يتدثر البدر بجبة ..
والجبة .. لغة هي : لِبَاس فَضْفَاض يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ .
جُبَّة : جمعها جُبّات وجُبَب وجِباب وجَبائبُ : وهو : ثوب للرجل واسع الكُمَّين مفتوح الأمام يُلبس عادة فوق ثوب آخر :
• جُبَّة الدَّار : وسطها ، - جُبَّة العين : حجابها ، - جُبَّة الفارس : درعه .
( المعجم: اللغة العربية المعاصر )
والجبة .. لغة هي : لِبَاس فَضْفَاض يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ .
جُبَّة : جمعها جُبّات وجُبَب وجِباب وجَبائبُ : وهو : ثوب للرجل واسع الكُمَّين مفتوح الأمام يُلبس عادة فوق ثوب آخر :
• جُبَّة الدَّار : وسطها ، - جُبَّة العين : حجابها ، - جُبَّة الفارس : درعه .
( المعجم: اللغة العربية المعاصر )
ثم هاهو البدر وبعد ان يلبس ثوبا فضفاضا لن يكون سوى الغيم الذي يواريه عن العيون ، ليكون الليل قطعة من السواد البهيم ، حيث لا انس ولا سهر ولاسمر ...فالقمر قد انزوى من كمده .. والكمد هو الحزن الشديد .. فلماذا يحزن القمر ان لم يكن تعاطفا وتضامنا مع الشاعرة ، فإن لم يبلغ الخيال هذا المنحى كان الاقتصار في تأويل الصورة الشعرية ، على أن الليل كان مظلما وحزينا في أعين الشاعرة هكذا تراه وهذا هو الارجح والاقرب الى المعنى ، مادام الحديث منذ البداية يدور عن الحالة الوجدانية الجوانية النفسية الداخلية للشاعرة التي غاب عنها حبيبها ، وخاصمها الكرى وهو النوم الذي تكرر الحديث عنه قبيل انتهاء القصيدة ..
فكان الاستهلال بقولها :
غاب الحبيب ولم يعد
في الكون ملجأ للكرى
وحديثها عن استحالة النوم في السطر السادس قبل انتهاء القصيدة ..
ونلحظ هنا أن الجو والتوقيت الغالب على النص هو الليل .. نعم ففي الليل تستعصي الاحزان على النسيان ، والليل هو أشد الاوقات صعوبة لمن يعيش في وحدة .. هذا ونستشعر خلال النص نوعا من فقد الأمل في عودة الحبيب .. وهنا أحب ان أشير إلى أمر يزعجني بشدة ، قول البعض عن قصيدة ما ، انها حزينة ، او انها سودادية ، رمادية ، او توحي بانقطاع الأمل ... استغرب فعلا لمثل هذه الانتقادات .. أجل أوليس الصدق أوجب وأجبات البوح ، والمشاركة العاطفية الإنسانية ، وإذن هل يريد مثل هؤلاء مثلا من الخنساء أن تقول إن العالم ورودا زاهية ، وإن أخواها صخرا ومعاوية سيرجعان غدا ...؟!
ابدا الشاعر ليس ملزما بالابتسام في ساعات حزنه ، كما أن أحدا لا يفرض عليه الحزن في ساعات فرحه ، إلا بما تقتضيه الاخلاق النبيلة ، من كثمان في حالة الفرح الشعبي العام ، او الحداد المعلن لفاجعة إنسانية ما ، ولهذا ترفع الشعر على أن يكون مادة استهلاكية محدودة التوقيت وانتهاء الصلاحية ، إلا من ذهب بشعره نحو سوق التكسب ، او البحث عن الشهرة السريعة وهو يترصد المناسبات العابرة لكي يسمع صوته فيها ، بيد أن الشاعر ضمير أمته ومن أوجب واجباته ان يعبر بصدق وشجاعة وإخلاص عن رأيه في القضايا المصيرية الكبرى
فكان الاستهلال بقولها :
غاب الحبيب ولم يعد
في الكون ملجأ للكرى
وحديثها عن استحالة النوم في السطر السادس قبل انتهاء القصيدة ..
ونلحظ هنا أن الجو والتوقيت الغالب على النص هو الليل .. نعم ففي الليل تستعصي الاحزان على النسيان ، والليل هو أشد الاوقات صعوبة لمن يعيش في وحدة .. هذا ونستشعر خلال النص نوعا من فقد الأمل في عودة الحبيب .. وهنا أحب ان أشير إلى أمر يزعجني بشدة ، قول البعض عن قصيدة ما ، انها حزينة ، او انها سودادية ، رمادية ، او توحي بانقطاع الأمل ... استغرب فعلا لمثل هذه الانتقادات .. أجل أوليس الصدق أوجب وأجبات البوح ، والمشاركة العاطفية الإنسانية ، وإذن هل يريد مثل هؤلاء مثلا من الخنساء أن تقول إن العالم ورودا زاهية ، وإن أخواها صخرا ومعاوية سيرجعان غدا ...؟!
ابدا الشاعر ليس ملزما بالابتسام في ساعات حزنه ، كما أن أحدا لا يفرض عليه الحزن في ساعات فرحه ، إلا بما تقتضيه الاخلاق النبيلة ، من كثمان في حالة الفرح الشعبي العام ، او الحداد المعلن لفاجعة إنسانية ما ، ولهذا ترفع الشعر على أن يكون مادة استهلاكية محدودة التوقيت وانتهاء الصلاحية ، إلا من ذهب بشعره نحو سوق التكسب ، او البحث عن الشهرة السريعة وهو يترصد المناسبات العابرة لكي يسمع صوته فيها ، بيد أن الشاعر ضمير أمته ومن أوجب واجباته ان يعبر بصدق وشجاعة وإخلاص عن رأيه في القضايا المصيرية الكبرى
...وفي نهاية قصيدة ( غياب ) تورد لنا الشاعرة هذه السطور الخمسة :
تمر الأيام بيديها
خنجر من لجين
يعلو خدها غبار الزمن
لأجهز عن هيامي
وأسيجه بتراب النسيان .
خنجر من لجين
يعلو خدها غبار الزمن
لأجهز عن هيامي
وأسيجه بتراب النسيان .
فنلمس من خلالها نوعا من الاستكانة والاستسلام للحزن .. وهنا طبعا نعتب على الشاعرة قليلا هذا الخضوع والذي لديه مايبرره فثمة غياب مطلق لحبيب .. كان بمثابة كل شيء في حياة الشاعرة ، لكننا نعلم جميعا أن الشعر هو في النهاية تحفيز على البقاء والتحدي ونحن طبعا لانلزم أحدا بهذا .. لكن وعلى مايبدو من خلال مانستخلصه من السطور الثلاثة الاخيرة أن الشاعرة تخبرنا أن ذلك هو مطلب الأيام ، والضروف وليس مطلبها هي ، فكل الذي فعلته أنها وضعت القضية بين أدينا وتركت لنا الحكم ، والبث في ذلك ، فهي ماتزال في حالة تأرجح بين بين اليأس والأمل ، وهذا طبعا ما أحييها من أجله .. ففي حالتها هذه يتحقق معنى الصدق الانساني ، فنحن مهما بلغنا من ثقة ومهما اكتسبنا من قناعات ، نظل متقلبين بين الخوف والرجاء ، بين الشك واليقين .. وهذه صفات الشعور والوعي والذات الانسانية ...
3 - الخاتمة :
في الختام أود أن أتحدث خلال محاورتي هذه لقصيدة ( غياب ) للشاعرة المغربية ليلى نشيط ، عن العنوان ودلالته ، فأقول أن مانستشفه بعد قراءتنا للقصيدة وتفاعلنا معها .. أن كلمة غياب .. جاءت حسب تدرج المعاني الأربعة الآتية لتلبس بها القصيدة :
1- الدافع العاطفي لكتابة النص كان هو الغياب
2 - الغياب في النص هو غياب حالة الفرح عموما ..
3 - غياب المعلومات الخاصة بخلفية القصيدة ، لان مفهوم الحبيب ظل معمما فقد يكون حبيبا بالمعنى العادي أو زوجا أو أخا أو إبنا أو وطنا او ... حلما لم يتحقق ...
4 - غياب اليقين والقرار النهائي .. لأن القصيدة تركت مفتوحة على عدة احتمالات عديدة ..
2 - الغياب في النص هو غياب حالة الفرح عموما ..
3 - غياب المعلومات الخاصة بخلفية القصيدة ، لان مفهوم الحبيب ظل معمما فقد يكون حبيبا بالمعنى العادي أو زوجا أو أخا أو إبنا أو وطنا او ... حلما لم يتحقق ...
4 - غياب اليقين والقرار النهائي .. لأن القصيدة تركت مفتوحة على عدة احتمالات عديدة ..
وقد يسأل سائل لماذا تركت محاورتي للعنوان إلى الخاتمة ، فأقول ، من خلال تجربتي الخاصة في كتابة الشعر .. العنوانين تأتي بعد الفراغ من فعل كتابة القصيدة وليس قبلها .. وإني لأحمل في قلبي نوعا من التشكيك الطفيف في مدى شاعرية من يختار لقصيدته عنوانا قبل أن يكتبها ... كما أنني اقترح على الناقد أن يعايش تجربة إنتاج نص ما .. من خلال تمثل كامل لفعل الكتابة في حالته الأولى ، وهذا بالطبع ما لايوافق عليه كثيرون وخاصة من يعتبرون النقد فعل قراءة واعية لانه حقيقة اول ماتقع عليه عيون القراء من النصوص عناوينها ...
شكرا :
4 - النص الأصلي :
غياب
غاب الحبيب ولم يعد
في الكون ملجأ للكرى
عصفت ريح عاتية
درات رحاها حولي
فطارت رسائل الغرام
إلى حيث لايسكن الحبيب .
جفتني سكينة البال
وذاب الفؤاد من لوعة النوى
هيام يرتوي من بعد حبيبي
يستشعر حضوره كل أصيل
فيطل الغراب مترنحا ،
في بطء من أثقلته الهموم
وتغني البومة لحن هوى
ضياع في غياهب الزمن
يتدثر البدر بجبة
وينزوي كمدا حتى
يشرق وجه شمس شاحب
من استحالة النوم .
تمر الأيام بيديها
خنجر من لجين
يعلو خدها غبار الزمن
لأجهز عن هيامي
وأسيجه بتراب النسيان .
في الكون ملجأ للكرى
عصفت ريح عاتية
درات رحاها حولي
فطارت رسائل الغرام
إلى حيث لايسكن الحبيب .
جفتني سكينة البال
وذاب الفؤاد من لوعة النوى
هيام يرتوي من بعد حبيبي
يستشعر حضوره كل أصيل
فيطل الغراب مترنحا ،
في بطء من أثقلته الهموم
وتغني البومة لحن هوى
ضياع في غياهب الزمن
يتدثر البدر بجبة
وينزوي كمدا حتى
يشرق وجه شمس شاحب
من استحالة النوم .
تمر الأيام بيديها
خنجر من لجين
يعلو خدها غبار الزمن
لأجهز عن هيامي
وأسيجه بتراب النسيان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق