*المقامة المراكشية*
ذاتَ مَساءٍ و بَهاءٍ...بِجَوِّهِ المَليحِ رَكِبْتُ عُودَ الرّيحِ...يَسوقُني مِنْ مَوْضِعٍ فَسيحٍ إلى مَطْلَعٍ مريحٍ ...حتى اسْتَقَرَّ بِيَ الحَالُ بِمَنْزَهِ المَنارَةِ رَمَزُ الحَضارَةِ ...حَيْثُ مُتْعَة مَنْبَرِ السُّكونِ و رَوْعَة طَيْرِ الحَسّونِ و طلْعَة شَجَرِ الزَّيْتونِ...فَجَلسْتُ بَيْنَ عِشْقِ هَذِه الأَحْضانِ سائِحاً و بين رِفْقِ هذِه الأَغْصانِ مُتَرَنِّحاً...و شَمْسُ الأَصيلِ حالِمَةٌ مِنْ أُنْسِ العَليلِ هائِمَةٌ...تبْحَثُ عَنْ مَرْقَدٍ آمِنٍ و مَوعِدٍ ضامِنٍ...و أنا أَرْتشِفُ مِنْ فِنْجانِ قَهْوَةٍ و أَسْتَظْرِفُ مِنْ بَيانِ قصيدَةٍ... غارقٌ بَينَ عَوالمِ الفِكْرِ طارِقٌ لِأَبْوَابِ مَلاحِمِ الشِّعْرِ...فَإذا بِهاتفٍ صَحَّانِي بِنَبْرَةٍ مُوَقَّرَةٍ لِشابٍّ ظَريفٍ حَدَّثَني...ابْتَسَمَ و سَلَّمَ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَعَلِمْتُ و فَهِمْتُ ثُمَّ ابْتَسَمْتُ...إِنّـهُ عَلى صَفْحَةِ التَّواصُلِ الإِجْتِماعي بِالتَّفاعُلِ المَوْضوعِي... صَديقٌ ماتِعٌ أَنيقٌ رائِعٌ... فَقالَ لي مُحاوِراً بِأسْلوبٍ رَائِقٍ و أَدَبٍ شَيِّقٍ : سَيِّدي تُراوِدُني أَفكارٌ تَجْذِبُني إِلى شَدائِدِ بَحْرِها و أَصْفَادِ قَهْرِها... وَ أَنا وَاقعٌ بَيْنَ تَعَبِ الفَهْمِ وَ ضائِعٌ بَيْنَ سَرَابِ الوَهْمِ...أَبْحَثُ عَنْ سِرَاجِ مُنيرٍ أَوْ مَنْهَجٍ قَديرِ... تارةً أَشُدُّ بِوَعْدي مِنْ أَجْفانِ خَيطٍ رَقيقٍ وَ تارَةً أَمُدُّ يَدي إِلى دُخَانِ حَريقٍ...وأَنا بَيْنَ أَمْواجِ الظَّنِّ تُغْرِقُني وَ أَدْراجِ التَّمَني تَسْرِقُني فَهَمَسَ و نَبَسَ فَأَطْرَقَ مَلِيّاً و نَطَقَ جَلِيّاً ثُمَّ قالَ: أَمْسٌ مُنْصَرِمٌ وَ يَوْمٌ مُبْهَمٌ و غَدٌ مُنْعَدِمٌ...فَعَجِبْتُ لِسُؤالِهِ و طَرِبْتُ لِمَقالِهِ فَقُلْتْ لَهُ : لا نَعيشُ إِلّا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ سَوِيّاً وَلَوْ إِمْتَدَّ بِنا العُمْرُ دَهْراً عَلِيّاً
*محمد الرجفي*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق