Mohamed Jlaidi
***
***
قصة:
- عِــــشْ كـــاتـــباً أو مُـــتْ وأنـــت تــحــاول ..
وأنا أبحث عن الإصدارات الجديدة في العوالم الروائية ، عثرت على رواية كاتبتُها امرأة لم أستمع بها من قبل . و هو ما حملني على الإفتراض ، بأن هذا العمل هو الأول لـها .وكي أحسم ترددي ، وأغامر في شراء عمل روائي أول لكاتبة لم يسبق أن راج اسمها بين الناس ،قلت في نفسي لنفسي:-قيمة الإنتاج في المنتوج ، لا خارجه . والقيمة الإبداعية للنص الروائي ، شكلا ومضمونًا ، تكمن قابعة بين دفتي كل مؤلَّف ، لا خارج الدفتين .
(…)
وحين شرعتُ في قراءة الرواية ، انشددتُ إليها بكل حواسي ! وجدتُها نصّاً مجنوناً، متوتراً،اقتحاميا، متوحشا،إنسانيا،شهوانيا، وخارجا على القانون!تملكني العجب لأمرين خارج دفتي هذا العمل المتميز،الذي بدتْ صاحبتُه من خلاله شامخةً في كياني . صُغتُ الأمر الأول في سؤال احتجاجي عن مهام النقد والناقد . وصغت الأمر الثاني في سؤال عتاب عن دور الإعلام ومهام الإعلامي . ولم أكن أتوقع أن في الأمر «إن» التي كشفتها لي الأيام ! عن «لعنة» الكتابة !
(…)
ساهرة الليل ، نؤوم الضحى ! هكذا كان إيقاع حياتها على مدار الساعة . لأنها ابتلتْ بعشق القراءة فأدمنتْ . ومتى حملها مشوار قرائي على السهر ، طاوعتْ . وكثيرا ما راودها حلم الكتابة ، كومضان برقي خفيف ، يشرق ضاحكا ، وهو يختال مخترقا جدار غيوم سميكة ، تحجب زرقة السماء ، وتشوش على الوضوح في الرؤية !
(…)
سماها أبوها « أحلام »، تَيَمُّـناً بأحلام الثوار ، في غد مجتمعي أفضل لبلده . كان يدرك بأن الغد الأفضل، يخطط له المفكرون ، ويصنعه الشجعان ، وفي نهاية المطاف ، يرثه الجبناء ! ومع ذلك ، لم يكن يبالي ! لأن الوطن يستغيث.اعتُقل ، فقد عمله ، وبالرغم من ذلك ، ظل يعتبر نفسه محظوظا ، لأنه لم يلق حتفه مع من استُشهد في مظاهرات 1945 !! تحرر البلد من المستعمر ، ولم تتحقق أحلامه وأحلام جيله ، ليبقى الإسم تيمنا ، في الإبنة التي حملته !
(…)
كتبتْ «أحلام» الرواية التي قرأتُها. فحققتْ حلمها الذي كان يراودها ، كومضان برقي خفيف وخاطف !طبعتها على نفقتها.وظلت الرواية في أدراج المكتبات، دون أن يلتفت إليها الناس. ثلة من الأصدقاء ، ممن هم على صلة قريبة من « أحلام » من كانوا على علم بهذا العمل ، الذي شدهم إليه، فأثنوا عليها ،وشجعوها على المضي في طريق الكتابة .وألا تقف ، منتظرة حصيلة التفاعل مع عملها الأول !
(…)
وشاءت الصدف الحياتية ، أن تستدعي تلفزة البلد نجماً سينمائيا من نجوم الشرق . وأثناء ترتيب فقرات اللقاء التلفزي معه، سأل عن«أحلام»! لكنه فوجئ بعدم معرفتها من طرف إعلاميي بلدها ! وأخبرهم بأنه قرأ روايتها ، وأعجب بها ، وأنه يفكر في تحويلها إلى عمل سينمائي ! وليلة اللقاء التلفزي ، صنع طاقم البرنامج مفاجأة للضيف ، كي يتداركوا جهلهم لكاتبتهم . وأدرجوا المفاجأة ضمن سياق البث للبرنامج، فحصل اللقاء بين «أحلام »والضيف ! فذاع صيتها وانتشر،ليعم البلد ! وفي الغد ، نفذت كل نسخ عملها الروائي ! وبعد عام على هذا الحدث ، وصل عدد طبعات الرواية إلى العشرين ، وحققت أكبر المبيعات في تاريخ الكتب ببلد «أحلام » !
(…)
وفي الوقت الذي كان على النقاد أن يبادروا إيجاباً،وهم يتعاملون مع العمل بنقده المعلل،خدمةً للحركة النقدية والإبداعية على السواء ؛ خرج أحدهم بما لم يكن متوقعاً ! فترك العمل ، واتجه إلى صاحبته ، متهما إياها ،بأنها اشترت العمل من شاعر ! وأن «أحلام» لا علاقة لها بالكتابة إطلاقا!مدعيا بأنه يعرفها معرفةَ قربٍ !
قلت لنفسي ولأصدقائي :
-على «أحلام» أن ترد !
لكن«أحلام »كانت أذكى ، وكانت أكثر حنكة ! فمثل هذه الذهنية الإتهامية،لا تتطلب الرد على قول بقول !
-وماذا ستقول ؟؟!
-أقسم بالله العلي العظيم أن الرواية شقائي وتمرة جهدي ، الذي كلفني سنينا ؟؟!
اختارت «أحلام» لغة الفعل ، ليتبخر الإدعاء وينساه الناس! ويُرَدَّ كيد المدعي إلى نحره. فكتبت للرواية الأولى ، روايتان ، فصار العمل ثلاثية ! وبعدها ، تقدمت لشهادة الدكتوراه ، فنالتها !
(…)
وشاءت الصدف الحياتية ،مرة أخرى ،أن يقدم لإحدى رواياتها ، رجل من كبار المكافحين ببلدها،وصديقا لوالدها ، كي يشهد نيابة عن الأب ، بأن الإبنة نابت عن البلد ! فاستحقت إسمها الحالم «أحلام »! وآزر هذا الرجل ، كشاهد على عصر ، شاعر ذائع الصيت ، فكتب تقديما لرواية أخرى من رواياتها ! فمات من ادعى، وتلحّف بياض ادعائه !
(…)
كنت أنصت لشاعر شاب ، صاغ بالتناص على قياس بيت المتنبي :
-( عِش عَزيزاً أَو مُت وأَنت كَريم * بين طَعْنِ القنا وخفْقِ البنود ) ،
قولَـه الشعري :
-(عِش شاعراً أو مُتْ وأنت تحاولُ )،
فصغتُ على قياس القياس :
-( عِش كاتبا أو مُتْ وأنت تحاولُ ) !
وأنا أردد قياسي على القياسين ، حضرتني تجربة « أحلام » ،
ولعنة « الكتابة » ! فلعنتُ الكتابة ، وكتبتُ تجربة « أحلام »!
(…)
وحين شرعتُ في قراءة الرواية ، انشددتُ إليها بكل حواسي ! وجدتُها نصّاً مجنوناً، متوتراً،اقتحاميا، متوحشا،إنسانيا،شهوانيا، وخارجا على القانون!تملكني العجب لأمرين خارج دفتي هذا العمل المتميز،الذي بدتْ صاحبتُه من خلاله شامخةً في كياني . صُغتُ الأمر الأول في سؤال احتجاجي عن مهام النقد والناقد . وصغت الأمر الثاني في سؤال عتاب عن دور الإعلام ومهام الإعلامي . ولم أكن أتوقع أن في الأمر «إن» التي كشفتها لي الأيام ! عن «لعنة» الكتابة !
(…)
ساهرة الليل ، نؤوم الضحى ! هكذا كان إيقاع حياتها على مدار الساعة . لأنها ابتلتْ بعشق القراءة فأدمنتْ . ومتى حملها مشوار قرائي على السهر ، طاوعتْ . وكثيرا ما راودها حلم الكتابة ، كومضان برقي خفيف ، يشرق ضاحكا ، وهو يختال مخترقا جدار غيوم سميكة ، تحجب زرقة السماء ، وتشوش على الوضوح في الرؤية !
(…)
سماها أبوها « أحلام »، تَيَمُّـناً بأحلام الثوار ، في غد مجتمعي أفضل لبلده . كان يدرك بأن الغد الأفضل، يخطط له المفكرون ، ويصنعه الشجعان ، وفي نهاية المطاف ، يرثه الجبناء ! ومع ذلك ، لم يكن يبالي ! لأن الوطن يستغيث.اعتُقل ، فقد عمله ، وبالرغم من ذلك ، ظل يعتبر نفسه محظوظا ، لأنه لم يلق حتفه مع من استُشهد في مظاهرات 1945 !! تحرر البلد من المستعمر ، ولم تتحقق أحلامه وأحلام جيله ، ليبقى الإسم تيمنا ، في الإبنة التي حملته !
(…)
كتبتْ «أحلام» الرواية التي قرأتُها. فحققتْ حلمها الذي كان يراودها ، كومضان برقي خفيف وخاطف !طبعتها على نفقتها.وظلت الرواية في أدراج المكتبات، دون أن يلتفت إليها الناس. ثلة من الأصدقاء ، ممن هم على صلة قريبة من « أحلام » من كانوا على علم بهذا العمل ، الذي شدهم إليه، فأثنوا عليها ،وشجعوها على المضي في طريق الكتابة .وألا تقف ، منتظرة حصيلة التفاعل مع عملها الأول !
(…)
وشاءت الصدف الحياتية ، أن تستدعي تلفزة البلد نجماً سينمائيا من نجوم الشرق . وأثناء ترتيب فقرات اللقاء التلفزي معه، سأل عن«أحلام»! لكنه فوجئ بعدم معرفتها من طرف إعلاميي بلدها ! وأخبرهم بأنه قرأ روايتها ، وأعجب بها ، وأنه يفكر في تحويلها إلى عمل سينمائي ! وليلة اللقاء التلفزي ، صنع طاقم البرنامج مفاجأة للضيف ، كي يتداركوا جهلهم لكاتبتهم . وأدرجوا المفاجأة ضمن سياق البث للبرنامج، فحصل اللقاء بين «أحلام »والضيف ! فذاع صيتها وانتشر،ليعم البلد ! وفي الغد ، نفذت كل نسخ عملها الروائي ! وبعد عام على هذا الحدث ، وصل عدد طبعات الرواية إلى العشرين ، وحققت أكبر المبيعات في تاريخ الكتب ببلد «أحلام » !
(…)
وفي الوقت الذي كان على النقاد أن يبادروا إيجاباً،وهم يتعاملون مع العمل بنقده المعلل،خدمةً للحركة النقدية والإبداعية على السواء ؛ خرج أحدهم بما لم يكن متوقعاً ! فترك العمل ، واتجه إلى صاحبته ، متهما إياها ،بأنها اشترت العمل من شاعر ! وأن «أحلام» لا علاقة لها بالكتابة إطلاقا!مدعيا بأنه يعرفها معرفةَ قربٍ !
قلت لنفسي ولأصدقائي :
-على «أحلام» أن ترد !
لكن«أحلام »كانت أذكى ، وكانت أكثر حنكة ! فمثل هذه الذهنية الإتهامية،لا تتطلب الرد على قول بقول !
-وماذا ستقول ؟؟!
-أقسم بالله العلي العظيم أن الرواية شقائي وتمرة جهدي ، الذي كلفني سنينا ؟؟!
اختارت «أحلام» لغة الفعل ، ليتبخر الإدعاء وينساه الناس! ويُرَدَّ كيد المدعي إلى نحره. فكتبت للرواية الأولى ، روايتان ، فصار العمل ثلاثية ! وبعدها ، تقدمت لشهادة الدكتوراه ، فنالتها !
(…)
وشاءت الصدف الحياتية ،مرة أخرى ،أن يقدم لإحدى رواياتها ، رجل من كبار المكافحين ببلدها،وصديقا لوالدها ، كي يشهد نيابة عن الأب ، بأن الإبنة نابت عن البلد ! فاستحقت إسمها الحالم «أحلام »! وآزر هذا الرجل ، كشاهد على عصر ، شاعر ذائع الصيت ، فكتب تقديما لرواية أخرى من رواياتها ! فمات من ادعى، وتلحّف بياض ادعائه !
(…)
كنت أنصت لشاعر شاب ، صاغ بالتناص على قياس بيت المتنبي :
-( عِش عَزيزاً أَو مُت وأَنت كَريم * بين طَعْنِ القنا وخفْقِ البنود ) ،
قولَـه الشعري :
-(عِش شاعراً أو مُتْ وأنت تحاولُ )،
فصغتُ على قياس القياس :
-( عِش كاتبا أو مُتْ وأنت تحاولُ ) !
وأنا أردد قياسي على القياسين ، حضرتني تجربة « أحلام » ،
ولعنة « الكتابة » ! فلعنتُ الكتابة ، وكتبتُ تجربة « أحلام »!
محمد الجلايدي - القنيطرة - المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق