كان صوت ابي،هرولت في اتجاه الداخل،ما ان رايته حتى ارتميت مجددا في احضانه،كنت اعانقه بشدة،كان يقبلني ،يقبل جبيني،يقبل كتفي ويقبل يدي،كنت اتحسس فيه نفس الرائحة العطرة التي كنت استنشقها فيه زمن الطفولة الاولى حتى وان مرت كل هاته السنوات وصرت في مقتبل الثانية والعشرين...كان قلبي يترجرج...وبعدما طلب مني الجلوس،جلست على تلك الكنبة الخشبية العريضة في وسط غرفته الامنة الهادئة الساكنة،والتي بدورهاكانت تتبنى تلك الرائحة العبقة الجميلة الساحرة الرنانة والتي تاخذك دون اذن منك الى عالم الف ليلة وليلة...كانت كلماته مسترسلة كالاتي:"لتعلمي ان هذا اليوم يوم خاص،يوم مميز،مهما تصورت لن تدركي ابدامدى فرحتنا بقدومك...هذا يوم مبارك فعلا،لكنك احيانا لا تحسني التصرف؛كيف لا تخبرينا مسبقا بقدوك،كان عليك فعل ذلك بمجرد وصولك الى تلك الباحة السياحية،على الاقل ستجدين من يستقبلك في المحطة،ولكنا حضرنا مزيدا من الوجبات الجيدة والمتنوعة...،ثانيا كيف سولت لك نفسك ان تقطعي كل هاته المسافات بشكل متواصل،الم نتفق قبل ذلك ،بان تعمدي دائماالى ان يكون سفرك على مرحلتين كان لزاما ان تتصلي بجعفر قصد الحجز،ولما تصلي الى هناك تاخذين قسطا من الراحة،تقضين الليلة بالفندق،وقبل بزوغ الفجر تواصلين الطريق...هذا تهور منك وتلاعب خطير بصحتك..."،كنت قد قرات مضامين هذا الخطاب قبل ان ينطق به،اذ بمجرد ما ان سمعت النداء،حتى ادركت موضوع المقابلة،لم يكن سلوكي ذاك اعتباطيا،ولا عنادا او استهتارا مني،كنت اريد بذلك ان اضع حدا لحالة الطوارئ التي يعلنها داخل البيت،اذ كان يستنفر جميع الاجهزة ويشغل جميع الطاقات،ولا مجال لمخالفة الاوامر،او التهاون او ابداء اية ملاحظات "هيا ،حضروا اسرعوا اكثروا ضاعفوا رتبوا ..."تلك كانت بعض عباراته... ولا فرصة ايضا للحد من ذلك الكرم اللامتناهي ولا من تلك الحفاوة الجامحة الصادقة...كنت حرمته من تلك النشوة التي كان يتلذذ بها اثناء قدومي،ومن ذلك الفرح العارم الذي يطبع ليس ملامحه فقط،بل احاسيسه تصرفاته وحواراته ايضا...استطرد قائلا:"الان غيري ملابسك،خذي منامتك او اي لباس مريح،نامي وارتاحي قليلا،ولقاؤنا يتجدد في البهو بعد صلاة العصر، لنشرب الشاي معا"،استاذنته بالذهاب ،وبعدما استقرت دقات قلبي بعض الشئ،ناداني مجددا ،عدت القهقرى،استرجعنا تواصلنا بابتسامة عريضة ،ليمدني بورقة نقدية فتية محترمة،احسست اثناءها ببعض الخجل:"هذه الورقة اليك،غدا باذن الله،وقبل السابعة صباحا،لا تتاخري في الذهاب الى الحمام لازالة غبار تلك المناطق عنك،ولتنعمي بعدها بالراحة،اعمدي لاصطحاب من يساعدك على تحقيق ذلك،وبعد ذلك موعدنا مع فطور جماعي." كان يعدو في اتجاهي بمجرد ما ان يرقبني من تلك الواجهة الزجاجية الامامية للفندق،كان يحمل حقيبتي او اي متاع لي ولو كان جريدة او قنينة ماء معدنية،هكذا كان يتصرف جعفرمع جميع مرتادي الفندق الذي كان خارج دائرة التصنيف،كان المستخدم الوحيد هناك،وبمجرد ما ان تطأ قدمك مكتب الاستقبالات للادلاء بالهويةوبمعلومات اخرى ،او لاي غرض اخر،حتى ينفجر هذا القاصرفي شبه احتجاج،لدرجة اصبح حديث معاناته متداولا حتى بين الاجانب من السياح:"انا مللت العيش داخل هذه الغرفة الضيقة،بين هذه الحيطان الاربعة،مللت الحياة،الجميع يستمتع بملذاتهاوانا كالكلب الحقير هنا...لا اغادر الفندق صباح مساء،ليل نهار،وعلى مدار الفصول الاربعة،لا احضر مناسبات عائلية،لا اقصد مساجد،ولا ملاعب ولا مقاهي ولا دور سينما،ولا ارافق فتيات في الشارع ،امنيتي ان ارافق فتاة جميلة يكون اسمها صباح...انا لست كسائر الشباب ...ولا ولا...."،ولان هذا الاحتجاج تكرر الاف المرات من طرف جعفر،لم يعد احد ينصت اليه،ولا ليابه بكلامه،ولا ليناقشه،لكن الجميع كان ملتزما باحضار الجرائد والمجلات وبعض الكتب اوبعض الاكلات اوالعطور والعديد من الهدايا لهذا العنصر الطريف... فتيحةذلك الكائن الليلي العجيب،جعلتني ادمن القهوة والسهر...
موسيقى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
-
Hicham Britel ****** مول القلب الصافي ديما زهرو حافي يعطي بالوافي والناس ليه تجافي ينور طريق الناس أو هو طريقو طافي ...
-
خالد الذهبي ******** بمناسبة يوم السلام Paloma de la paz Paloma lleva mi vos con altavoz Lleva mi mensaje do...
-
Amina Izeddaghen 26 min 🌛 .....قمر الخلد ..... 🌜 قمر الخلد قد بدا نورا بين النجوم مبجلا هلت له النجمات ترنما وشدت له الكواكب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق