Mohamed Jlaidi est à : Kénitra.
**************
**************
قصة:
- « حْميدة أغناه الله » !
حكى لي ال - عزيز ، عن« حْميدة أغناه الله » ، قال :
بحَيِّنا الإسمنتي الهجين ، يوجد قبو جاثم خلف نور الشمس وضوء القمر.والقبو مسكن،يقطنه رجل بُوَيهمي الطباع . ولأن السكان يعشقون لغة العرب ، وإطلاق الألقاب بالجملة الفعلية في التسميات ،كتسمية شخص ب«جاد الحق» مثلا، فإنهم لما نعتوا صاحبنا ب«حْميدة أغناه الله»انتشر اللقب كدال يحيل عليه بالتحديد.ف«حْميدات»كُثْرٌ في الحي.لذلك وجب التدقيق ، كي لا ينصرف الذهن أثناء دورات الكلام إلى الشخص غير المقصود.
بحَيِّنا الإسمنتي الهجين ، يوجد قبو جاثم خلف نور الشمس وضوء القمر.والقبو مسكن،يقطنه رجل بُوَيهمي الطباع . ولأن السكان يعشقون لغة العرب ، وإطلاق الألقاب بالجملة الفعلية في التسميات ،كتسمية شخص ب«جاد الحق» مثلا، فإنهم لما نعتوا صاحبنا ب«حْميدة أغناه الله»انتشر اللقب كدال يحيل عليه بالتحديد.ف«حْميدات»كُثْرٌ في الحي.لذلك وجب التدقيق ، كي لا ينصرف الذهن أثناء دورات الكلام إلى الشخص غير المقصود.
كان « حْميدة أغناه الله » موظفا بسيطا في محل صغير تابع لمصالح البريد . مهمته دمغ الأظرفة ، ثم فرزها وتصنيفها حسب الأزقة في الحي ، قبل أن يحملها ساعي البريد إلى أصحابها.يشتغل بالتوقيت المستمر ، من الصبح إلى العصر.وحين يغادر العمل ، يمر في طريقه إلى قبوه ، على دكان « الحاج عبدالله »، للإطلاع على نتائج (التيرسي) و(الكوارتي) ، ويأخذ منه أوراق اللعب لليوم الموالي . ثم يقود خطاه ، مرة في كل أسبوع،إلى«بَـرّاكة الحاجة طامو»ليشتري منها باقة من القنب الهندي ،لإعداد عشبة تعديل المزاج .
لم يفكر يوما في الزواج . كان يفضّل أن يبقى أعزب ، على أن يتعب نفسه بزوجة وأولاد ، وهو الذي يعيش مقترا زاهدا في هذه الحياة ! لا آمال تراوده ولا أحلام . يقول :
-هذا ما قسمه الله !
ثم ينكفئ على ركبتيه ، ويشرع في قَص عشبة القنب الهندي وهو في أشد حالات غبطته.وعندما يدخن ينتشي . وعلى بساط النشوة ، يصنع كأس الشاي على نار هادئة . ثم يشعل الراديو ، الذي به يرتبط بالعالم : الغناء،الأخبار، والبرامج .المهم أن الأنس حاضر في الجلسة،إلى أن يأكل ما اتفق وكيفما اتفق ، وينام .
-هذا ما قسمه الله !
ثم ينكفئ على ركبتيه ، ويشرع في قَص عشبة القنب الهندي وهو في أشد حالات غبطته.وعندما يدخن ينتشي . وعلى بساط النشوة ، يصنع كأس الشاي على نار هادئة . ثم يشعل الراديو ، الذي به يرتبط بالعالم : الغناء،الأخبار، والبرامج .المهم أن الأنس حاضر في الجلسة،إلى أن يأكل ما اتفق وكيفما اتفق ، وينام .
وبعد عصر يوم ليس كباقي الأيام ، فاجأه « الحاج عبدالله » قائلا ، وهو يزف له الخبر اليقين :
-لقد ربحت أيها المتعوس .
لم يصدقه . فأقسم له بإيمانه بأنه ربح ، والمبلغ خمس مئة ألف درهم !
تحقق « احْميدة أغناه الله » من ورقته وأرقامها والأرقام المسجلة على سبورة الإعلانات ، فتيقن وصدق البشرى التي زفها له « الحاج عبد الله » ، واعتبره وسيط خير ، جاد الله عليه به ! وأقسم له بألا ينسى خيره هذا ما بقي على قيد الحياة .
-لقد ربحت أيها المتعوس .
لم يصدقه . فأقسم له بإيمانه بأنه ربح ، والمبلغ خمس مئة ألف درهم !
تحقق « احْميدة أغناه الله » من ورقته وأرقامها والأرقام المسجلة على سبورة الإعلانات ، فتيقن وصدق البشرى التي زفها له « الحاج عبد الله » ، واعتبره وسيط خير ، جاد الله عليه به ! وأقسم له بألا ينسى خيره هذا ما بقي على قيد الحياة .
سافر « حْميدة أغناه الله » إلى البيضاء ، ليتسلم شيك الربحة . وبعد أن صرفه ، اشترى كسوتين أنيقتين ، واحدة رمادية ، والأخرى زرقاء داكنة ، ولكل واحدة ربطة عنق منسجمة مع اللون . تلك كانت بداية حياته الجديدة . وإذا كان رئيسه في العمل ، لا يمتلك غير كسوة رمادية ، فهاهو الآن قد تفوق عليه بإذن من الله ! وفي صباح الغد ، لبس البدلة الزرقاء ، وتوجه إلى مقر العمل ، يحمل ورقة في يده ، وقال مخاطبا رئيسه :
-هذه استقالتي.
تعجب رئيسه ، ولم يتردد في سؤاله :
-ولماذا تريد الإستقالة ؟! هل وجدت عملا أفضل ؟!
أجابه بوثوقية وتعالٍ :
-حْميدة أغناه الله .
ثم انصرف دون أن يشرح له ، ليغيظه ، كما كان الآخر يغيظه ، بأوامره التي لا تنتهي !
-هذه استقالتي.
تعجب رئيسه ، ولم يتردد في سؤاله :
-ولماذا تريد الإستقالة ؟! هل وجدت عملا أفضل ؟!
أجابه بوثوقية وتعالٍ :
-حْميدة أغناه الله .
ثم انصرف دون أن يشرح له ، ليغيظه ، كما كان الآخر يغيظه ، بأوامره التي لا تنتهي !
غَيّـرَ « حْميدة أغناه الله » بعض أثاث القبو ، ليوفر فيه بعض وسائل الراحة . وبعد أن انتهى من ذلك ، دعا « الحاج عبد الله » للعشاء ، ولقضاء ليلة أنس معه .ووجد هذا الأخير اللحظة مناسبة ، ليقترض منه بعض المال ، كي يُفَعِّـل عمله ، فيضيف إليه بضاعة البقالة ، بدل الإكتفاء بنسبة الأرباح في أوراق القمار .ولما استقامت جلسة الأنس ، ورق مزاج مُضيفه ساق له طلبه ، فوافق المُضيف على طلب الضيف قائلا:
-حْميدة أغناه الله ، فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
فرح « الحاج عبد الله » بهذا الدعم السخي،وراح يحكي عن ذلك ، لكل معارفه ، ولكل رواد دكانه من قمارة وجيران .فشاع خبر «حْـميدة أغناه الله »وذاعت حكايته على الألسن في الحي وفي أرجاء المدينة،ينقلها قـمّار لقـمّار . وطبعا لا حديث للقمّارة في كلامهم اليومي إلا عمن واتاه الحظ ، فربح. ومن ربح يصير من المشاهير بين عشية وضحاها ! أكثر من مشاهير هوليود وعوالم السينما !
-حْميدة أغناه الله ، فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
فرح « الحاج عبد الله » بهذا الدعم السخي،وراح يحكي عن ذلك ، لكل معارفه ، ولكل رواد دكانه من قمارة وجيران .فشاع خبر «حْـميدة أغناه الله »وذاعت حكايته على الألسن في الحي وفي أرجاء المدينة،ينقلها قـمّار لقـمّار . وطبعا لا حديث للقمّارة في كلامهم اليومي إلا عمن واتاه الحظ ، فربح. ومن ربح يصير من المشاهير بين عشية وضحاها ! أكثر من مشاهير هوليود وعوالم السينما !
ولما حل موعد شراء عشبة النشوة ، توجه كالعادة إلى « بـرّاكة الحاجة طامو ». لكنها خيبت أمله في الحصول على ضالته . وادعت بأنها لم تعد تجد المال لشراء السلعة ، بسبب مرض عضال ألم بزوجها،فحصد منها كل ما كانت تذخره . رق لحالها ، ولما لاحظت ذلك ، طلبت منه مساعدتها بقرض مالي ،ترده فور اعتدال حالها . فأجابها على الفور:
-حْميدة أغناه الله ،فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
أغبطها كرمه ، فجاءته بباقة من القنب الهندي ، وهي تقول :
-خذ هذه فهي لعمك الحاج .
تقصد زوجها.
شكرها وهرول عائدا إلى قبوه .
-حْميدة أغناه الله ،فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
أغبطها كرمه ، فجاءته بباقة من القنب الهندي ، وهي تقول :
-خذ هذه فهي لعمك الحاج .
تقصد زوجها.
شكرها وهرول عائدا إلى قبوه .
على نهج «حْميدة أغناه الله ، فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله » سار « حْميدة أغناه الله » ! مع الجيران ، مع العائلة، والأصدقاء عن بعد ، والأصدقاء عن قرب.تأتيه جارة متضرعة فيرسل يده إلى جيبه ! يأتيه صديق متوسلا فيرسل يده إلى جيبه ! وبعد كل إرسالية نقدية يتلوها قوله،كالدمغة على ظرف البريد :
-حْميدة أغناه الله ، فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
-حْميدة أغناه الله ، فَـلْيُـعِـنْ من فضل الله .
دام على هذا الوضع ، واستمر على هذا النهج مدة . ولم يَـدُرْ على الربحة عاما حتى نفذ منه آخر فلس. فضاق به العيشُ وكبرت عليه الأهوالْ ، وتنَازعَتْه الهمومُ من العَـوَز وقلة حيلة في تدبير الحال ، ففكر في «الحاج عبدالله»، و«الحاجة طامو»، والعائلة، والأصدقاء عن قرب ، والأصدقاء عن بعد ،و في جار بعد جار. طرق بابا بعد باب . فأدرك بعد كل تنكر وخيبة ، أن الكل قد انفضَّ من حوله : فلا صحاب ولا خِلّانْ . ولا من تذكر-«الإعانة من فضل الله»!
اعتصر الهم قلبه ومزّق الحزن ضُلوعه .وراح يردد في الحي وشوارع المدينة ، مادا يده للمارة :
-« حميدة ما أغنى عنه ماله وما كسب » !
وكان يعود تارة بلقمة وفي كثير من التجوال بدون .
ففكر في الإنتحار !
-« حميدة ما أغنى عنه ماله وما كسب » !
وكان يعود تارة بلقمة وفي كثير من التجوال بدون .
ففكر في الإنتحار !
خرج إلى الشارع ، وكمن في الرصيف . ولما لمح شاحنة لنقل البضائع تطوي المسافات، قفز أمامها ،فصدمته بإحكام . لكن سيارة الإسعاف ، كانت حاضرة في مكان الحادث بأسرع ما يمكن ، على عكس العادة .وفي المستشفى ، مَـثُــلَ «حْميدة أغناه الله » للعلاج ، الذي تكلل بالنجاح ! فجرج بعد ستة أشهر يجر رجليه متوكأ على عكاز . ولأن الجوع ألم ، واللقمة ضرورة ، عاد إلى الحي وشوارع المدينة، مادا يده وهو يردد:
-« حميدة ما أغنى عنه ماله وما كسب » !
وكان يعود تارة بلقمة ، وفي كثير من التجوال بدون . ففكر في الإنتحار مرة أخرى !
وكانت محاولته هذه المرة تعريض نفسه لقطار. لكنه لم يحكم الإرتماء ، فقذف به ريح القطار بعيدا،ليسقط على الأرض مصابا بكسر في العمود الفقري . ومن سوء حظه أيضا ، أن سيارة الإسعاف كانت حاضرة في مكان الحادث بأسرع ما يمكن ، على عكس العادة . وفي المستشفى مَثُل «حْميدة أغناه الله»للعلاج، الذي تكلل مرة أخرى بالنجاح !
فخرج بعد ستة أشهر أخرى مشلولا ، لا يتحرك إلا بواسطة كرسي بعجلات !
-« حميدة ما أغنى عنه ماله وما كسب » !
وكان يعود تارة بلقمة ، وفي كثير من التجوال بدون . ففكر في الإنتحار مرة أخرى !
وكانت محاولته هذه المرة تعريض نفسه لقطار. لكنه لم يحكم الإرتماء ، فقذف به ريح القطار بعيدا،ليسقط على الأرض مصابا بكسر في العمود الفقري . ومن سوء حظه أيضا ، أن سيارة الإسعاف كانت حاضرة في مكان الحادث بأسرع ما يمكن ، على عكس العادة . وفي المستشفى مَثُل «حْميدة أغناه الله»للعلاج، الذي تكلل مرة أخرى بالنجاح !
فخرج بعد ستة أشهر أخرى مشلولا ، لا يتحرك إلا بواسطة كرسي بعجلات !
ولأن الجوع ألم ، واللقمة استجداء ، قرر « حْميدة أغناه الله » الذي ما أغنى عنه ماله وما كسب ؛ أن يُضْرِب على ثلاثة أمور :
-إضراب على مد اليد للسؤال.
-إضراب على مغادرة القبو.
-وإضراب عن الطعام .
(…)
لكنه لم يمت إلا بعد عام ! فصار أمثولة في تاريخ الإضرابات عن الطعام ، لأنه حطم الرقم القياسي في البقاء حيّا ، والذي لم يصله ولن يصله أي مضرب عن الطعام ، في الآتي من الأيام والأعوام وعلى الدوام !
-إضراب على مد اليد للسؤال.
-إضراب على مغادرة القبو.
-وإضراب عن الطعام .
(…)
لكنه لم يمت إلا بعد عام ! فصار أمثولة في تاريخ الإضرابات عن الطعام ، لأنه حطم الرقم القياسي في البقاء حيّا ، والذي لم يصله ولن يصله أي مضرب عن الطعام ، في الآتي من الأيام والأعوام وعلى الدوام !
محمد الجلايدي - القنيطرة - المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق