موسيقى



Nour Abouchama Hanif est avec Hassan Abdouh.
ي نور نؤسس لحوارنا حتى لا يزيغ عن وظيفته ومعناه .. أود أولا ، عبر هذا النقاش العفوي ، أن نخرج من الفهم القطعي والسجالي ، حتى لا يفهم المتابع أن احدنا يرد على الآخر ويقصده ، والحال أننا نقصد أنماط تفكير ورؤى للعالم والوجود وليس أشخاصا ؛وأظن أن مهمة المثقف ليس اصدار أحكام بل فتح آفاق وابداع أو ابتكار امكانات أفضل واجدى وأمتع ؛ ثانيا على الحوار أن يستبعد التفكير بمنطق الأضداد (معي أو ضدي / منتصر أو منهزم ) ، ثالثا أود أن يكون الحوار معرفيا خالصا وأن يستبعد أية خلفية دينية أو سياسية أو عرقية ، لأنه من السهل الاحتماء بالمقدس الديني أو العرق والاختباء وراء حقائق جاهزة موجودة سلفا لها السلطة كل السلطة في مجتمع نعرف حجم بدونته ونعرف جيدا أن القراءة لا تعد طقسه اليومي أو حتى هاجسا ضمن هواجسه ، بل في مجتمع لا يفكر مفكروه الذين يترددون بشكل مهين وسخيف أمام مهنة التفكير ...
• أظن أننا نخوض في مسألة شائكة ومركبة لأنها تتناول أسئلة وجودية كبرى ، وتبسيط التناول لتاريخ سحيق ومركب من التجربة الانسانية أو اختزاله قد يسقطنا في الابتسار..
• افتتحت مداخلتك الأخيرة أخي نور بالقول " نحن نسير معا إلى نوع من التوافق في هذا الحوار الهادئ وخاصة في مفاهيم إشكالية عميقة مثل مفهوم الهوية ... هذه اظاهرة ة صحية " ألا ترى معي أخي نور أن هذا الحوار الماتع المثمر لا ينبغي أن يتغذى على التقاربات والتوافقات ، فتلك بنية حوار معطوبة ورثناها جيلا بعد جيل ، وما تزال للأسف سائدة ولاجمة للفكر والابداع ، وهي بنية مرتبطة بنمط تقليدي للتفكير ، وبرؤيا للعالم تتجلى فيها الذات مسكونة بجوهر أو بأصل ما ، وكأن الغاية من الحوار هو الوصول الى حقائق موجودة سلفا لذلك يجر المحاور محاوره ، فينجران معا نحو تقارب لا يخدم الحقيقة بل يسيء اليها.. دعني أخي نور أقول أنني لا أريد لحوارنا أن يؤالف ويجمع ، يطابق ويناغم ، و يسير مطمئنا في أفق محفوف باليقينيات : ذاك مفهوم فقير عن الاختلاف سوقته لقرون مضت تجربتنا التاريخية مع الحوار والتي كانت حريصة كل الحرص على أن يكون أداة للوصل والاتصال ، انه منطق التقليد وهو منطق كسول يبسط التحليل حد الابتسار ، ويسيء للحوار من حيث يدري أو لا يدري لانه ينطلق من ان الحقيقة كامنة في نص /أصل /ينبوع ما ، وما علينا سوى اكتشافها بكل بساطة مبتذلة ؛ انها البنية الميتافيزيقية للحوار التي كان علينا أن ننتظر زمنا طويلا لتتعرض للهدم والنقد والتفكيك حيث عاد الاعتبار الى مفاهيم الانفصال والنسيان والفرع والهامش الى غيرها من المفاهيم التعيسة والمغبونة تاريخيا ، وتم التأسيس لحوار لا يتغيا التقارب والتناغم والتوافق بل يفتح مسارات للحفر والاختلاف والشروخ والفجوات التي تتسلل منها الحقائق والتي تظل دوما منفتحة غير مكتملة .. قد يبدو لك أنني ابتعدت عن محور النقاش لكني ما ابتعدت الا لكي أقترب أكثر ، فقطب النقاش هو سؤال الاعتقاد المرتبط بالاصل والماهية والجوهر والمركز وهو سؤال مرتبط أساسا بمفهومنا للحقيقة وكيف يتم تدبير الحوار حولها لأن معظم تاريخ الميتافيزيقا كان تاريخا للاستدلال على صحة الاعتقاد وظلت مسلمة الحقيقة ثابثه الأكبر و قطب اشتغاله ... فكيف نقبل التصور الذي عوض أن يبدع خطوط انفلات ويبتكر الفجوات ، يهرب محتميا باصل ما وجوهر ما .. هل هي روح خائفة ترتد واجفة الى جوهرها الوهمي لتحتمي به من التحولات الكبرى التي مست التجربة الانسانية والتي أعادت تشكيل الواقع الانساني .؟؟.• أنت تقول عن الدين الاسلامي " أنه دين بديل للتيه البشري الذي عرفته الفترة الحضارية الصامتة بعد انقطاع الوحي ، كما هو بديل للتيه الحضاري المعاصر " انك تحكم على التجربة الانسانية برمتها منذ اقطاع الوحي بالتيه الابدي بجرة قلم و وكأن هذه التجربة لم تبدع ولم تبتكر غير الكوارث انه منطق متهافت ينطلق من تصور عنصري يحصر القدرة على انقاذ البشرية من داخل هويتنا وكأننا الوحيدون الذين يمتلكون مفتاح المستقبل
• تقول أخي نور " تصوّر معي جماعة من الناس تتعبّد بشعائر وطقوس دينية تنظم حياتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية والداخلية في شؤون جماعتهم المصغرة ، والخارجية في علاقاتهم مع الآخر عدوا وصديقا والاستباقية والمستقبلية والاستشرافية ... إضافة إلى قدرة هذه الطقوس على الإجابة عن معضلات أسئلتهم اللحظية المتعددة واللامتشابهة ... والإجابة عن أسئلتهم الوجودية القابعة في لاشعورهم والملحة عليهم بشكل مستمر " بدأت قولك بلفظة تنتمي الى مجال الافتراض ، أنا أسألك وأجبني بكل الوضوح الممكن : هل سبق لهذا الأفتراض أن تحقق تاريخيا بهذا الشكل المثالي ؟؟؟ ثمة من يمتلكه الدين وثمة من يمتلك الدين ، أظن أن الدين وجد لخدمة الانسان ، ولم يوجد ليصبح سلطة لاجمة للعقل والفكر والابداع ..
• أخيرا أقول لك اخي نور ان الحقيقة بساط محايثة لا سمك له، وسطح لا عمق له،وفروع لا أصل أو جوهر لها وتوليف لا إحالة ، إنها ترحال دائم؛ لأنها لا تريد التأجيل، و"الرُّحل هم المعمرون"، كما يقول توينبي ؛ إنهم رُحَّل؛ لأنهم يرفضون الرحيل بعيدًا.
أخيرا أقول ما قاله كاتب سهوت عن اسمه وهو يتحدث عن صديق له استمرت صداقتهما رغم أنها كانت تضج بالاختلاف : " كنا صديقين لأنني كنت أنا ولأنه كان هو " ..شكرا أخي نور محبتي
....
Nour abouchama hanif
أخي حسن ... أنا معك في أن هذا الذي انبثق بيننا انسياب فكري عفويٌّ وتلقائي ، ولا يدخل البتّة في السجالات العامرة بسوء الظنّ واستهداف المحاور في شخصه قبل فكره ... وأنا معك أيضا في فتح باب النقاش لمزيد من الحرية في التفكير والجرأة في طرح الأسئلة بغاية كشف النقاب عن أنماط التفكير في إشكالات عميقة تلح على العقل العربي بضرورة الخوض ...
وفي سياق التوضيح أقول لك أخي : لربّما فهمتَ خطأ إدراجي مفردة " انهزام " ولو راجعتَ المداخلة لوجدْتَ أنها من صميم النقاش ومنسجمة مع سياق القول ، وهي لا تفيد الانهزام بمفهومه المعلن عن السقوط ورفع الراية البيضاء وإنما أقصد بها أنني مستعد لتبني فكرة محاوري إذا ما أقنعني بالحجة والبرهان على اعتبار أنني لا أدخل جدالا بفكرة الانتصار المسبق المدفوع بسلطة الأنا ، والانتصار للمنطق الشوفيني المغلق ، وإنّما أدخله بكل ارتياح أنّ ماعندي خطأ وما عند محاوري صواب ...
أما عن مسألة التوافق ، فأنا أخالفك الرّأي فيها لأنك ذهبتَ بها مذهب الجدل المفتوح على كل شيء إلا على النهايات الممكنة والمنطقية التي تنسج ذاتها من خيوط الأخذ والرّد في خطاب كلا المتحاورين ... فلا معنى للحوار بدون سقف ... وأنا لا أحصر السقف في التوافق والاتفاق على مجموعة من القناعات ... السقف مرفوع بحجم قوّة الجهاز الاستدلالي أولا وثانيا بقوّة الفكر المتنور والمستقل و ثالثا بإيمان المُحاور بأن مالديه ليس اليقين ذاته وليس الحقيقة المطلقة وبأنّ اجتهاده محكوم بالنسبية الموضوعية البانية والمفتوحة على كل الاحتمالات . من هنا فحوارنا معرفي ، وصفة المعرفي لا تتعارض مع الاعتقاد ...
أظن أنّه لا معنى لحوارنا إذا ما اندفعنا وراء مغالطات تفيد أن الحوار ينبغي أن يتخلص من الدين على اعتبار ان الدين هو مجرد حماية يختبئ خلفها المحاور المتدين ... وإلّا فما معنى هذا الحوار إن لم يكن يتيح حدّا أدنى من التوتّر بين قطبين لا يلتقيان ويتباعدان كل التباعد . وبالتالي فحضور الدين في النقاش ليس عائقا إذا وجد مخاطبا منفتحا على كل أشكال التفكير حتى وإن بدا له محاوره ملتصقا بالمرجعية الدينية ، وهذا لعمري مكمن قوة الحضور البعيد عن إملاء شروط الحوار الخادمة لأجندة أحد المتحاورين دون الآخر . ومن جهة أخرى فحضور الدين المبني على التمثّلات الخاطئة والطقوسية الانتكاسية هو العائق لوهج الحوار ومصداقيته وتدافعه الباني ...
أنا لا استبعد مرجعيتي الدينية من مائدة الحوار ، خلافاً لما جاء في غضون خطابكم بضرورة اقصاء الدين من موائد الحوار . وليس سهلا أن يناقش المرء الدين – كما وصفتم - في زمن تواجهه كل التيارات المادية بهدفية واحدة هي التنقيص من شأنه . بل إن أصعب نقاش هو أن تحمل معك دينك وتنافح عنه بكل المنطق الممكن خارج الأدلة النقلية وخارج النصوص التابثة احتراما لمخاطبك الذي قد يكون علمانيا أو منكرا أو دهريا أو غير ذلك ... وعندما تلمح لي أو تصرّح لي بأن أخاطبك باستبعاد الدين الذي أنطلق منه في حواري معك معناه الإقصاء التّام لطبيعة الخطاب المناوئ لخطابك مما يسمح بالقول إنني أحس برغبة الآخر في تجريدي من شكلي المخالف والمعارض والمناوئ ومن ثم سيصبح النقاش غير ذي جدوى .
وأؤكد لك أنني لا أدافع عن مشروع فكري منقول عن غيري ، لأنني أفكر أمامك بالجهر في قناعات أحب أن أتمسك بها في غير تشدد . ونظري – على تواضعه – لا يروم الانتصار لفكرة نكوصية مانعة لحركة الانسان في التاريخ ، ويروم تأكيد أخرى قد تبدو غريبة لدى البعض ومفادها أن الإسلام هو أكثر الأديان حداثةً وأكثر جاذبية وأكثر انسجاما في أنساقة المكونة لخطابه المتعدد بتعدد الحيوات داخل حياة الإنسان .
إن المراجع لنصوص الدين الاسلامي سيدرك أنه دين لا يفرض هيمنته على التجربة الإنسانية كما ذهبتم إلى ذلك مذهب اليقين ، فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر ولا إكراه في الدين ... فكيف تغيب هذه البداهات البسيطة والعميقة في آن عن المفكر الحداثي أو المفكر العلماني مع العلم أنها تجليات تشبه مذاهبهما في النظر . الإسلام جاء بمشروع حضاري كبير ، تسألني عن مصداقيته في التاريخ البشري وهل وقع أن طبّقت تشريعاته أم لا ؟ أقول إن المسألة لا تناقش من هذه الزاوية لأن التاريخ لا يمكن مسح مجرياته داخل عملية التحقيب والحيز ، المسألة تقاس بمعدّل التواتر لمراحل الاستواء في المنهج القرآني على أرض الواقع في غير مثالية كما وصفتم ... وإذا حدثكم عن تجربة تاريخية لعمر رضي الله عنه سينبري آخرون للتشكيك في هذه التجربة على اعتبار أن بيوتهم من زجاج ويضربون الفكر الآخر بالحجر ... وبالتّالي فإنّ أي تجربة حضارية أوربية هي محط تشكيك أيضا ومن ثمّ ندخل في عدمية مقيتة تقتل الحقائق على مقاصل الأجندات المُغرِضة ، وتضيع النهايات الممكنة لأن البدايات كانت مشوبة بالذاتية .
لا أحد يمكن أن يعيش بدون يقينيات... وأستغرب كيف يتم الحديث عن هذا في ظل الاكتشافات العلمية المؤكدة على نجاعة حضور الغيبيات واليقينيات في نسغ العمق البشري في سيرورة لا تتعارض مع طبيعة التكوين الفيزيائي والميتافيزيائي للكائن ... هذه مسألة استنفذت أدلتها بالتجربة وبالعلم وبالمنطق ... وقصة الملحد الذي أوشك على الغرق في عمق البحر وحيدا يرفع عينيه إلى السماء ليتضرع إلى الله – أو إلى الرب أو إلى السماء ، قصة معروفة ، قد يقول قائل إنها تفاعلات العادة ... أقول أنا إنها الاستجابة الفطرية لليقين القابع في داخلنا ... أكبّرُ الصورة من المفرد إلى الجمع وأقول لا توجد أمة بدون يقينيات وهذه الأخيرة لا تعيق التفكير المتنور ... أمّا إذا قصدنا بالتفكير الحر كل تفكير متسيب فإننا سننحو منحى الحاطب بليل الخابط خبط العشواء .
جميل أن نُقلّبَ معاً في أنماط التفكير البشري في مسألة الاعتقاد ، وهو أمر ليس بالسهل ، لأن الخطاب اليوم ينبغي أن يؤسس على الانفتاح ، والانفتاح هو قبول الآخر مع احترام أشكال الاختلاف الظاهرة والباطنة . وأقول إن الاعتقاد في دين من الأديان ليس عائقا أمام انسراب الفكر الحر وانسيابه لممارسة حضوره الباني ، ما هو جدير بالإقصاء هو سلطة الاعتقاد لا الاعتقاد نفسه ... مثلا ... الاسلام يسطر فكرة التوحيد بجلاء لكنه أولا لا يلزمها بقسرية ضاغطة ، ثانيا لا يعطل معها نبراس العقل ووقايته . من هنا قولي سابقا إن الاسلام هو أكثر الاديان حداثة لأنه أنهى تاريخ المعجزات الخارقة التي كانت تنسجم مع العقل البشري في بدايات تكوينه ، واستحضر معجزة الإبداع وسلطان العقل ونور العقل ...
أكتفي بهذا القدر من التفاعل مع أخي حسن المختلف الجليل
...
أخوك قبل مجادلك : نون حاء

ليست هناك تعليقات: