موسيقى

يوسف محمود فرديوي:


شاعر اختار لغة اللاكلام ليعري عن هشاشة واقع الالم .
كن ابغيت..غير نهضر
انگول..أنا حطبوني اشجر
أو في الكانون..لحوني احجر
حيت ..إلا كانت مكتابه هي
أو من ربي اعطيه
انزيد نحسبها اقدر
***
كن ابغيت ..غير نهضر
انگول ..شي اكلام..حاثل في الصدر
انکولو بلا حشمه
انگولو ب الجهر
انگول..اشكون فينا
أو فيكم يقدر
في ليل امقدر
يلاگي الشفر مع الشفر
يسيل دموع القلم
اسطر ب اسطر
يراري .. ضرو
يحلي .. مرو
يوگف ..يعثر
يحلم به ..في صفة سيدنا اقدر.
في نظري الشعر بلغة التواصل اليومي ، او باكثر تدقيق، عندما تتحول اللغة العادية من افقيتها في الكلام والكتابة الى لغة الشعر، تنزاح الصور وتتغير دلالات المعجم والتراكيب. ذالك مانلمسه في هذه الطينة من الكتابة عند صديقي المبدع يوسف محمود فرديوي الذي استهل خطابه بتمويه لغوي مثير عندما قال/ كن ابغيت غير نهضر، تمويه يضفي على الخطاب الشعري اضافة نوعية بشكل مميز، اتار بخطابه خاصية لايفهمها من سار في خط تمويهاته، كن بغيت غير نهضر ، هي في دلالتها تفيد ان صاحبنا لم يقل شيئا على اعتبار ان اللغة تقول ذالك/ كن ابغيت، بمعنى لم يقل شيئا ، لكن في عمق كتاباته قال كل شيء ، بل قال اكثر مايجب قوله، اي قال ماينبغي ان يقال ومالاينبغي ان يقال ،قال: شي كلام حاتل في صدر، هي دلالة على الضربة القوية التي تعدت حدودها، كما قال: انا حطبوني شجر، دلالة على قمة الاحتراق والالم والضياع،كما قال: او في الكانون لاحوني احجر، الكانون احالة على النهاية ، لاحوني احجر، اي جردوني من احاسيسي وانسانيتي ،ووضعوني في صورة لا صورة مثلها، كما قال: انكول شي كلام انكولو ابلا حشمة، ومن قال انك لم تقله /بلاحشمة، بل لقد قلته بكل الاوصاف وبجميع الصيغ، بل كشفت عن المستور وعريت المختفي، كل هذا وتعتقد انك لم تقل شيئا، كلام قلته دموع وقلته اسطر باسطر ، قلته بضرو بمرو ، قلته بكل الاوصاف.هنا مااثار انتباهي هو ان صاحبنا تبنى صيغة فنية اعتمد فيها باخفاء الخطاب عرى عن المستور والمختفي، بالاكلام قال الكلام، بالحشمة عرى عن المفضوح، وبطريقة المجاملة قال اكثر من الذي كان ينبغي ان يقال، هي تقنية محمودة وجميلة اعتمدها يوسف محمود فرديوي لتعرية فضائح مجتمعية جاء النص للكشف عنها ،فكان بلرعا في فضح هذا المستور باحالات دلالية عنيقة، 
هنا تكمن الجودة في الكتابة بطرق ابداعية تكسر فيها الصيغة الافقية التي تميز لغة التواصل اليومي، مما يحعلنا نخلص بنتيجة ان لغة الزجل هي لغة ميتا لغوية ، لغة متعالية ،او لغة من الدرجة الثانية التي بالكتابة تغير مسار الواقع فتجعل منه اسلوبا ابداعيا في درجة عالية من الجودة، تعتمد صورا ابداعية اساسها المتعة والجودة في نقل الالم وتشريح اوجاع الواقع والكشف عن مرارته.


حسرة اساسها نسيان وتذكير بصيغة الرفض والنقد.
كلنا نسينا ف ساعه
غ فاش كنا جماعه..كانت تجمعنا
شمس المغرب
عند ترعة كل گاعه
ياااااه..كانت الحصيده گاعه
و كانوا الخماسه الرباعه
و كان طيرنا يطير
بالفرگ.. و يسرح بالرباعه
ياااااه...كلنا نسينا ف ساعه
بتاكيد شديد، وبصيغة واو الجماعة،يؤكد يوسف محمود فرديوي رفضه التام بصيغة استنكارية وباسس جماعية/كنا نسينا، اذن هو نسيان مفاده ان الماضي الجميل المميز بكونه ، كما يقول، : كنا جماعة، يعني الوحدة والتازر والروح الجماعية،نسينا ، حسبه ، هذا الاسلوب الجماعي الذي يعبر عن قوة التلاحم و الارتباط، ينهي حسرته بكلمة دالة بقوة عن تاكيده و توكيده مطلبه(يااااه)، بتطويلها وتكرار الالف، هو احالة
على الم داخلي ناتج عن حسرة بصيغة قوية، كنا جماعة وكان الخير في مننهاه وكانت الحياة بجودة عطائها ، الكل في موضع جيد، الطير رمزا للحيوان والكاعة رمزا للارض المعطاءة ،كانت فعلا كاعة كاعة كما يقول، والخماسة رباعة، احالة على العدل في توزيع الخيرات، كان كل شيء في منتهى عطائه، لكننا اليوم تغير كل شيء واصبح منطقيا التفكير الذاتي الذي عمقه التفكير في المصلحة الشخصية.استحضار الماضي بتحسر، لايعني ان صاحبنا يعانق الاسلاف والاموات، بقدر ما استرجع الزمن الجميل، بصفته الاحسن والاقوى، و ما التركيز عليه الا دلالة على ان الشاعر يميز بطريقة ضمنية بين مرحلتين بطريقة عميقة على زمن جميل ، يركز فيه ان الماضي كان ملائما وقويا بقوة تلاحم الناس وتماسكهم واحترامهم لبعضهم البعض، والنتيجة عم الخير وكثر العطاء ، وكان الكل، سواء الحيوان او الانسان في مرتبة عالية من الانتاج والعطاء.

****
بقلم الاستاذ سعيد فرحاوي

ليست هناك تعليقات: