موسيقى

****في ثنايا عشق غادر ****
نــــص
إلى الشاعرة والمبدعة الكبيرة الفاضلة: كريمة مبسوط. مع خالص الود والتقدير.
-----------------------------------------------------------------------------------------------
للّيلة الساّبعة على التّوالي، يسود صمت رهيب غرفة جلوسهما ...
تمدّد على أريكته، من غير أن يستبدل ثيابه بلباس النوم ،كما تعوّد على ذلك عمراً بأكمله ...وضع بجانبه على الطاولة حزمة جرائد اليوم، التي لم تسعفه انشغالات طارئة في تصفحها. ثم سافر في مطالعة جريدته المفضلة، قبل أن يأتي الدّور على بقية الجرائد الأخرى...
صمت تام، وكأنهما يجاوران بعضهما لأول مرّة على متن طائرة أو قطار. كان يسترق ممعناً أحياناً نظرات إليها وهي تتابع حلقة مُملّة من مسلسل بديئ جاوز التسعين حلقة. أثارت انتباهه تجاعيد ارتسمت على أسفل عنقها، وبياض الشّيب الذي غزا رأسها، كما النّحافة البيّنة التي آل إليها جسدها....
برود تام،ّ وجفاء قاتل، أصبحا يطبعان يومِيَّ حياتهما.
استرسل في استعراض شريط ذكريات حياة مشتركة طويلة عاشاها معاً :ستّ وثلاثون سنة من الزواج... زواج أفضى في جزء منه إلى إنجاب ثلات بنات ،كبرن وتزوّجن وأنجبن ...مثلما طوى النسيان فيه آلاماً وانجراحات ثقيلة وكثيرة.
في خضم تشتت انتباهاته بين الحذلقة في عناوين الصحيفة التي بين يديه، واستراق النظر الخاطف والمُمعن في آن إلى ملامح ومحيّا الزوجة... في ثنايا كل ذلك، كانت صورة العشيقة لاتفارق مخيلته...
يُجبره بؤس الخيانة أحياناً على لوم نفسه، فيستيقظ شيطانه الماجن فيه، يوسوس له بتلك اللازمة المشحونة بالغواية والشبق :
--...لِمَ كلّ هذا الضجر؟ هل أحببتها يوماً حتى تتحسّر على ما تنعم فيه من عشق حقيقي جديد!!!؟ آلاف الرجال مثلك هكذا يدبـِّرون حدائقهم السرية، وآلاف آخرون يمنـّون أنفسهم باستبدال الحضن... لا تأسفـنّ على ماأنت فيه.... وإياك أن تفكر في ترسيم عشقك الجديد وأسره بزواج.... فإن أكثر مايقتل الحبّ هو الزواج....
دارت بداخله حرارة أسئلة مؤرقة.... أهو عشق أم حبّ!!؟ أم ارتماء في انغواء بذلك الجسد الفاتن!!؟ وهي... هي، هي... هل تنشغل بحرقة نفس الأسئلة!؟ أم أن كل همّها في جيبه وهداياه الجميلة، والشقة التي تتأهب لاستلام مفاتحها، بعد أن يستكمل شراءها لفائدتها؟
استرق نظرة أخرى إلى جهة جلوس زوجته، وجدها هذه المرة منشغلة بصنعتها اليدوية المفضلة. تُكمل إعداد قميصه الصوفي الجديد... فقد دأبت كل سنة على إهدائه قميصاً صوفياً ساخناً من صنعها وخياطتها.. تقابـَلا نـَظراً،ابتسمت في وجهه :
--أعـِدّ لك قهوة أم شاياً هندياً؟ أم أعجل بالعشاء.....
لاهذا ولاذاك! مـُتعب أنا وأريد أن أنـام.
تأمل وجهه طويلاً في المرآة: شاحب، شاخ، تساقط شعر رأسه كما أسنانه...علا الشيب حاجبي عينيه، أنا إلى زوال... قالها بصوت خافت. قبل أن يرن هاتفه المحمول....
--لن آخـُذ من وقتك الكثير. أنت وحدك؟
-نعم أنا بغرفة النوم. ماذا هناك!؟
-فقط أريد أن أخبرك حبيبي الغالي بأن المـُوثـّق أنهى جميع إجراءات شراء الشقة، وقد سلمني عقد الشراء و مفاتحها . كم هي رائعة... شرفتها المطلة على الحديقة الوطنية ،ستجعلني في غاية السعادة ،وأنا أحتسي قهوة المساء قـُبالة الأشجار والورود الزاهية، أتأمل جـِيئـة وذهـابَ العـُشـّاق بـيـْن مـمـرّاتها المـُغـريـة...
فكـّرتُ طويلا ومليّاً .نحن لن نصلح أبداً لبعضنا.... في عنقك زوجة محترمة.... اعتبـِرْها نزوة عابرة كانت وانـْقضت.... شكراً ياغالي!!!!
****بقلمي عبد الحق توفيق البقالي ****

ليست هناك تعليقات: